لم يبذل المعنيون بالسياحة في سورية جهداً مقنعاً لإقالتها من ثباتها الشتوي الذي اعتادت عليه وعكّر من صفائه موسم الاصطياف متقلب المزاج الذي سبقه. وتكرّس الانطباع السائد بأن هؤلاء يمهدون المجالس لاجازاتهم السنوية حول كانون الشتاء، فيما تنفرج أسارير السياح الأثرياء والمتقاعدين في مثل هذا الوقت ويقصدون الذين أعدوا العدة لاستقبالهم. وعلى رغم امتلاك سورية معظم المقومات التي توفر عناصر النجاح لسياحتها الشتوية والتي عدها بعضهم بمثابة محركات دفع لعجلة السياحة "المفرملة"، إلاّ أنها نأت بنفسها عن مزاحمة الدول الأقل باعاً وحظاً منها في هذا المجال. وتجنبت رؤوس الأموال ولوج هذه البيئة الاستثمارية بسبب ضبابية الرؤية والافتقار الى الإستراتيجية الواضحة، مع أن مردودها عال ومأمون على المدى البعيد. ولعل حرص المسؤولين وسعيهم الحثيث الى استهداف السائح العربي، والخليجي في شكل خاص، ولّد القناعة الحالية بأن الصيف فقط هو التوقيت المناسب للسياحة والاستجمام. و"يتهيّب" أرباب السياحة في المحافظات السورية الخوض في الحديث عن السياحة الشتوية باعتبارها من "اختصاص الوزارة"، ويكثرون من ذكر الدراسات "الموءودة" في مكاتب اللجان المختصة، و"لأن خبرتهم شبه معدومة في هذا المجال حيث لم يطلعوا على تجارب الآخرين، ولا طاقة لهم بمثل هذه المشاريع" وفق قول أحدهم. ودلت الاحصاءات الرسمية على أن المنحنى البياني لأعداد السياح الغربيين القادمين الى سورية يبلغ ذروته في أيلول سبتمبر ونيسان أبريل من كل عام ويهبط بعد ذلك على مدار السنة. وتنخفض نسبة الإشغال الفندقي الى أدنى مستوياتها في شهور الشتاء بسبب ضعف تنمية الموارد السياحية الخاصة بالسياحة الترفيهية، باستثناء الطفرة التي تنعشها أعياد الميلاد ورأس السنة. يعتدل طقس الشريط الساحلي، وتزيده مشاعر السكان وطيبتهم دفئاً، وتؤهله رماله الذهبية ومياهه النظيفة وجاهزية مرافقه السياحية لاستقبال الزوار على مر الأيام. لكنه يفتقد، في المقابل، المبادرات والأنشطة الجاذبة للسياح الشتويين من ذوي معدل الإنفاق المرتفع، مثل الكرنفالات الشتوية والرياضات البحرية عروض التزلج على الماء وسباقات القوارب الشراعية والغوص. ولم يجر استغلال الصالات المغلقة في المدينة الرياضية في اللاذقية، وهي الأكبر من نوعها في الشرق الاوسط، لتنظيم مسابقات رياضية دولية شتوية. وتضم سلسلة جبال اللاذقية المحاذية للشريط الساحلي الكثير من المواقع الأثرية الشامخة، اذ فيها أكثر من نصف قلاع سورية أبرزها صلاح الدين والمرقب والمنيقة والخوابي، والتي تتواضع نتيجة لضعف الترويج وشح الاستثمارات فيها. وتفتقد المدن والبلدات السياحية المتربعة على عروش الهضاب والجبال الساحلية الى منتجعات تليق بمكانتها المميزة، وكذلك الى المشاريع التي تشجع الإقبال عليها في فصل الشتاء مثل التلفريك، نظراً الى وعورة طرقاتها وصعوبة عبورها بسبب تراكم الثلوج. وهناك دراسة لإقامة تلفريك يربط قلعة صلاح الدين مع المناطق المجاورة لها وآخر يصل صلنفة بمحيطها وكسب برأس البسيط، ومن المتوقع ان تحظى هذه المشاريع بعائدات ضخمة في بداية تشغيلها إذا ما توافرت رؤوس الأموال اللازمة لها كونها الأولى التي تنفذ في سورية. ومن شأن الطريق الدولي السريع الذي يربط حلب باللاذقية، ويتوقع أن تنتهي عمليات مده وتجهيزه بعد سنة من الآن، تسهيل وصول السياح الى المناطق الساحلية وبالتالي تنشيط العملية السياحية برمتها. ومن البلدات المؤهلة للعب دور هام في السياحة الشتوية مشتى الحلو قرب مدينة طرطوس الساحلية والتي يرشحها اسمها لتنافس أفضل المشاتي في المنطقة لما تتمتع به من موقع جغرافي في قلب المناطق الأثرية اضافة الى طبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل وينابيعها العذبة. وساهم مغتربوها في خلق قيمة مضافة لمكانتها عبر شبكة خدماتها المميزة ومهرجاناتها الثلاثة. وعلى رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها إلاّ أنها تعد مقصداً هاماً للمصطافين السوريين والعرب بحيث باتت تنافس مصايف دمشق. وتقع بلدة دريكيش على مرمى حجر من مشتى الحلو، وهي تُغري بالإقامة فيها والتمتع بطبيعتها الساحرة. ويمكن الوصول الى مغارة الضوايات انطلاقاً من الطريق بين البلدتين لرؤية الصواعد والنوازل الطبيعية المثيرة والتي لم يتم استثمارها في شكل يليق بأهميتها. ويرى كثير من السياح أنها لا تقل أهمية عن مغارة جعيتا في لبنان. وتشغل بلدة صلنفة، التي تبعد عن اللاذقية مسافة 50 كيلومتراً لجهة الجنوب، موقعاً فريداً تطل من خلاله على سهل الغاب وتنهض على قمة جبل ارتفاعه 900 متر عن سطح البحر. ويحرص زوار الشتاء على إرتياد مقاصفها ومطاعمها ومقاهيها متحملين مشقة الوصول اليها. وتناسب أسعار شققها المفروشة مستويات جميع السياح. ولا تحوي سورية أي حقول لممارسة رياضة التزلج على الجليد لأنها تتطلب رؤوس أموال ضخمة وخبرات عالية وأندية متخصصة، كما تندر فيها السفوح الجبلية العالية التي تستطيع الإحتفاظ بقوام الجليد المتماسك لفترة طويلة في الشتاء، ما عدا سفح جبل الشيخ قرب دمشق. وفي حين تستغل إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة لاجتذاب عشاق هذه الرياضة، يحجم المستثمرون السوريون عن مجرد التفكير في ذلك!