الحرب لا منتصر فيها، والتاريخ يسجله المنتصر، لكن من هو المنتصر؟ أهو إسرائيل أم حزب الله؟ أطفال لبنان يحتضرون تحت وطأة الدبابات، لبنان كله تحت النار، اللبنانيون ينظرون إلى العالم من حولهم على أمل وقف العدوان المقيت، والدول الكبرى تتشدق وتعمل وفق حركة بطيئة وكأن هذه الدول تريد للحرب أن تستمر بهدف اغتيال لبنان وقتل اللبنانيين جميعاً في حرب تأكل الأخضر واليابس بهدف مسح لبنان من على الخريطة. نلوم حزب الله على القرار الأحادي الجانب الذي اتخذه بخطف الجنديين الإسرائيليين من دون علم حكومته بذلك. نستنكر ونشجب وندين بشدة كل الأعمال الوحشية الإسرائيلية، ونحذر من استمرارها ونرفضها، فهي ستخلف جيلاً عربياً جديداً يكون أكثر حقداً وكرهاً لإسرائيل وأهلها ولن يرضى بها جاراً للبلاد العربية. أولمرت ما زال عنجهياً يتصرف بغوغائية بعيداً من أبجديات المعارك الحربية والاتفاقات الدولية. يصرّح بأن الحرب ستستمر، فيما يكتفي العالم بوصف مجازره البشعة والمفزعة بأنها دفاع عن النفس. لا نريد أفعالاً لا تقترن بالأقوال، نريد وقفاً فورياً لإطلاق النار وتجنيب لبنان والمنطقة حرباً لا نهاية لها. حزب الله يطلق الصواريخ ويعتبر ذلك نصراً للمقاومة وأن العدو في تراجع. وما نراه على الواقع مجازر وقتلاً جماعياً للشعب اللبناني وكأنما الهدف دفن لبنان الوطن وتدمير ممتلكاته ومكتسباته في حرب بشعة لم يشهد التاريخ الحديث مثلها. الأكيد أن الولاياتالمتحدة الأم الحنون لإسرائيل شريك في الفعلة الصهيونية القبيحة. كيف لا وهي القادرة على إيقاف هذه المجازر وهي التي نَصّبت نفسها شرطياً على هذا العالم؟ على أميركا أن تقوم بدورها وإلا فالعالم حر. عبارات ومبررات تطلقها واشنطن مفادها أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وإن أرادت مجاملة العالم تجاوزت العبارات وطالبت تل أبيب بضبط النفس فقط، هل هي تعي ما تفعل وتدرك ما تقول؟ أم أنها مصابة بحب إسرائيل. ليس هناك أدنى شك في أن المجزرة التي تعرضت لها بلدة قانا جريمة بحق الإنسانية كونها استهدفت مدنيين عزّلاً وراح ضحيتها أطفال ونساء، كما أن المكان الذي وقعت فيه المجزرة له دلالته السياسية والتاريخية والعسكرية أيضاً، حيث أعاد إلى الأذهان المجزرة التي نفذتها القوات الإسرائيلية في البلدة ذاتها عام 1996 وراح ضحيتها أبرياء. لم يسجل التاريخ أن سلاماً تحقق عبر المجازر والدبابات واستخدام الأسلحة الفتاكة، كما أن للحروب قوانينها وأنظمتها وأولها تحييد المدنيين والعزّل، وعلى ضوء ذلك على إسرائيل أن تفهم إن هي أرادت العيش بسلام أن تعود إلى طاولة المفاوضات وألا تذهب بعيداً بالحلول الأحادية الجانب التي عادةً ما تعتمد على وحشية السلاح وقسوة الحرب. قلنا إننا نلوم حزب الله ليس لأنه خطف جنديين إسرائيليين، بل لأنه أيضاً ينفذ أجندة إقليمية ليس للبنان فيها ناقة ولا جمل. وعلى رغم ذلك لا يمكن وصف إسرائيل بالحَمَل الوديع وهي التي ذهبت بالحرب المفتوحة إلى أقصى ما يمكن أن يتصوره الإنسان من وحشية. إسرائيل التي فتحت الحرب على آفاق بعيدة واحتمالات خطرة، عليها أن تدرك قبل فوات الأوان أن هذه الوحشية التي وقعت في قانا وطاولت سكاناً عزّلاً وأطفالاً ونساء لن تخلق لإسرائيل إلا المزيد من الأعداء والكارهين، كما أنها تعزز مفاهيم الكراهية وتلغي من قواميس الجيل الجديد معاني التسامح والتعايش السلمي، وربما طاول مثل ذلك دولاً عربية وقّعت اتفاقات سلام مع إسرائيل تحت وطأة الرأي العام لتلك الدول، ولعل أصدق دليل على ذلك المظاهرة العفوية التي انطلقت في بيروت صباح أمس متجهة إلى مبنى الأممالمتحدة ومن ثم إلى مقر الحكومة، وهي حكومة معتدلة في جميع توجهاتها، ومع ذلك لم يوفرها الجمهور الغاضب. المشهد يتغير والسياسة لا بد من أن تحقق نصراً وإلا سيحترق لبنان تحت دبابات أولمرت، مع أن الجميع يعلم أن الحريق الذي سيصيب لبنان - لا سمح الله - لن يتوقف على الحدود الجغرافية للبنان فربما طاول دولاً أخرى وأشعل حريقاً يتجاوز حدود المنطقة التي لا تحتاج إلى مزيد من الحروب.