عام غبر بحوادثه واحداثه، بخيره وشره، ببشائره التي غمرت قلوب بعض الناس فرحاً، وبمصائبه التي طوّحت ببعضهم الآخر. وعام حضر لا ندري ما يخبئ لنا بين طياته، أهو الانين والنواح أم التغريد والصداح؟ عام مضى وإنقضى بغثّه وسمينه بفوضاه واستقراره، بهدوءه وضوضائه، بضحكه ودموعه، بسعادته وشقائه، بجزعه وأمنه. وعام حلّ لا نعلم من أمره شيئاً، أينطوي على بلاء وأرزاء، أم على هناء ورخاء، على هدم وتخريب، أم على بناء وعمران؟ على أمن وسلم، أم على نار وحرب؟ عام طُوي عن هذه الدنيا، كما انطوت من قبله أعوام وأعوام، فرقد - كما رقد أمثاله - في زاوية كئيبة حالكة الظلام، من دون حركة أو حياة، كالزهرة الذابلة وكالشمعة الذائبة. وعام أقبل علينا لا نعلم ماذا يحوَّل فيه وماذا يزول، ماذا ينمو وماذا يذبل، ماذا يبقى وماذا يندثر، ماذا يتحقق وماذا يتبدل. عام استقبلناه قبل اثني عشر شهراً في شتائه، ثم ربيعه، ثم صيفه، فخريفه، وقد أحصينا نهاراته ولياليه. فمضى اليوم تلو اليوم، الى ان بلغ ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، وبها بلغ سن الشيخوخة المتناهية فلفظ أنفاسه الاخيرة في الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل. وعام نستقبله الآن في بدئه، سيعيد علينا دورة الزمان: من برد للإنسان وعراء للشجر في الشتاء، الى نشاط للناس وتفتّق للازهار في الربيع الى حرّ يعرّي الناس من ثيابهم وينضج الفواكه والثمار في الصيف، الى خريف تسود السماء بغيومه وتتساقط أوراق الاشجار فيه ويرتعد بدن الانسان منه، كأنّ هذا وذاك نذير التنازع الذي يعقبه الموت الذي لا بدّ منه. وهكذا، لا يودّع الزمان عاماً إلا ليستقبل آخر. عام يموت شيخاً هرماً، وآخر يأتي وليداً فتياً. عام يحتضر، وعام ينبعث. ومهما يكن من أمر ذلك الموت والحياة، والاحتضار والانبعاث، علينا ان نتساءل: ماذا يجب ان يكون موقف الناس عندما يودعون عاماً يجود بأنفاسه الاخيرة ويستقبلون عاماً لا يدرون من أمره شيئاً؟... يعتبر العالم ان عيد رأس السنة، هو من أهم الاعياد العالمية - وأنعم به من اعتبار - اذ المعروف ان كل ما عاد مع الزمان هو عيد. غير ان عيد رأس السنة، هو عيد اكبر وأعمّ وأشمل. فهو احدى دورات الفلك - وما اكثر ما يدور الفلك - واذا قوبلت دوراته بالدهر بدت صغيرة صغيرة، لأن الدهر ممدود غير محدود. وهو العيد، الذي يشترك في الاحتفال به كل الناس على مختلف طبقاتهم ودرجاتهم، من ملك وصعلوك، وأمير وحقير، ورئيس ومرؤوس، وغني وفقير، وعالم وجاهل، ولا غرو فهو مقياس اعمارهم، ومقياس عيشهم، ومقياس حياتهم من مبتداها الى منتهاها. ان خير موقف نقفه، ازاء عام نودعه حين يسلّم نفسه الاخير، عند الدقة الثانية عشرة من دقات الساعة، ان نتوجه الى الله بقلوبنا وعقولنا، ونضرع اليه ان يغفر لنا ذنوباً اتيناها في عامنا الماضي، وان يعفوَ عن خطايانا السابقة فيهدينا سواء السبيل، بعد ان نعاهد أنفسنا في تلك الساعة التي تتجلى فيها رهبة الموت والحياة، ان نقلع عن كل منكر، متبعين أقوم السبل، وأن يمنح عباده الصحة والهناء والرغد، فيجعل من عامهم الجديد، عام خير ويمن وبركة وقناعة، تحد خصوصاً من جشع نفوس الدول ونفوس عدد من السياسيين والنافذين، التي تهدد العالم من اقصاه الى ادناه، بشبح الحرب والعنف المخيف، وان يضفي على الكون أمناً وسلماً بل سلاماً وطمأنينة دائمة. هذا وإلاّ، فان ليلة رأس السنة على ما يرافقها من لهو وعربدة واضواء باهرة و"مفاجآت"تكون ليلة عادية وشديدة السواد. وكل عام ونحن فعلاً! في خير! الدكتو جهاد نعمان - لبنان