أخي القارىء الكريم: ويجمل الصيام والقيام والدعاء، وتتوافر أسباب الخير، ويعظم الرجاء حين يقترن بالاعتكاف، فقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأيام حتى توفاه الله. عجيب هذا الاعتكاف في مقاصده وغاياته. المعتكف، ذكرُ الله أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة راحته، ومناجاة الحبيب متعته، والدعاء والتضرع لذته. في مدرسة الاعتكاف يتبين للعابد أن الوقت هو الحياة، فلا يبذله في غير حق، ولا يشتري به ما ليس بحمد، يحفظه عن مجامع سيئة، بضاعتها أقوال لا خير في سماعها، ويتباعد به عن لقاء وجوه لا يسر لقاؤها. فيا أيُّها الأحبة في الله: هذه أيام العشر كالتاج على رأس الزمان، فراعوا حق هذه الأيام، فوالله لليلة القدر ما يغلو في طلبها عشر، لا بالله ولا شهر، لا تالله ولا الدهر. ليلة القدر يفتح فيها الباب، ويقرب فيها الأحباب، ويسمع الخطاب، ويرد الجواب. إنها ليلة ذاهبة عنكم بأفعالكم، وقادمة عليكم غدًا بأعمالكم، فياليت شعري ماذا سنُودِعُها؟ وبأي الأعمال نودِّعها؟ أتراها ترحل حامدة منا الصنيع أم ذامة التفريط والتضييع؟ هذا أوان السباق فأين المسابقون؟ هذا أوان القيام فأين القائمون؟ يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يرد لا يقوم الليل إلاّ من له عزم وجد أليس من عجب أن فئامًا من الناس أغفل ما يكونون في زمان الجد والاجتهاد؟ أليس من الغريب أن الكثيرين لا يحلو لهم التسوق والشراء إلاّ في هذه الأزمنة النفيسة؟ أليس من عجب أن الكثيرين يكونون أكثر ولعًا بمشاهدة القنوات في هذه الأيام العظيمة والليالي الشريفة؟ أين نحن من قوم كانوا أنضاء عبادة، وأصحاب سهر وطاعة؟ عذرًا أبا العشر الأواخر هكذا وحل الطريق وغاصت الأقدام أقبلت حيهلا لعل قلوبنا تصفو ويصحو حين جئت نيام ولعل مليارًا يزيل غثاءه ليصوغ أمن العالم الإسلام ويجدر التذكير في هذا الشهر الكريم بفريضة الزكاة فهي قرينة الصلاة في كتاب الله فأدّوها -يا رعاكم الله- طيبة بها نفوسكم. ألا فاتقوا الله عباد الله، واستثمروا هذه الليالي الغر بالأعمال الصالحة، واجتهدوا وأبشروا وأمِّلوا. * إمام وخطيب المسجد الحرام