يضع محمد سعيد حارب، هذه الأيام، اللمسات الأخيرة على سلسلة الكرتون الأولى من نوعها في الخليج العربي،"فريج"الحارة باللهجة الإماراتية. فهذا الشاب الذي يحمل شهادة في الإعلام العام والرسوم المتحركة من الولاياتالمتحدة الأميركية صرف خلال عام، منذ بدأ مشروعه، أربعة ملايين وأربعمئة ألف درهم نحو 120 ألف دولار على هذا المشروع من ماله الخاص ولم يشترِ بيتاً أو يستثمر في البورصة، وعلى رغم ذلك هو سعيد."فكلفة الرسوم المتحركة أساساً غالية، وتفاصيلها كلها تبنى خصيصاً لكل مشهد وحلقة. ونحن حريصون على تقديم عمل في مستوى رفيع صورة وصوتاً ومضموناً"، يقول ل"الحياة"، علماً أن نحو"مئة طالب وطالبة اشتغلوا في السلسلة كمتطوعين، ولم ينالوا أجراً، باستثناء ذكر أسمائهم في العمل". دبي هي مسرح السلسلة التي اختارت الجدة بطلة رئيسة. ومن هنا تبدأ الحكاية. فالجدة تعرف الماضي وتعيش الحاضر وربما المستقبل، أو تسلمه إلى الأبناء والأحفاد الذين"يقبلون من الجدة كل شيء"، على حد قول حارب."فهي تاريخياً نواة العائلة والمشرف على التربية والحياة الأسرية في غياب الجد والأب المنشغلين في الغوص، بعيداً من البيت. وفوق هذا هي شخصية حكيمة وتجيد المزاح". إذاً ثمة كلام"لا يعجب الأجيال الجديدة ستقوله الجدة في السلسلة"، لا ينفي حارب ذلك،"فاختيار الجدة ليس لسبب كوميدي وحسب، وإنما للإطلالة على المجتمع المحلي وقضاياه من زوايا مختلفة". هذا ما يفسر وجود"أربع جدات، لا واحدة فقط. ولكل واحدة منهن شخصية ومزاج ورأي وتعبر عن فئة من الناس. وجميعهن تأقلمن مع دبي الجديدة. لكن هناك فروقاً بين هوس الجدة أم علاوي بالتكنولوجيا واقتنائها كومبيوتراً شخصياً ونشاطها في البورصة، وبين تصالح الجدة أم سعيد، الشاعرة والحكيمة والملمة بالأمثال الشعبية مع عصرية مدينتها. ترويج لا ينفي محمد سعيد حارب 27 سنة أن تكون سلسلته تحمل موقفاً يروج لدبي الجديدة،"لكن ذلك ليس بالخط العريض. انما هو مبطن". فهو، كما يؤكد، لم يختر دبي لسبب إعلاني. وكان يمكن أن يلجأ إلى تمويه المكان أو نسيانه كحال السواد الأعظم من الرسوم المتحركة. إلا أنه يريد"توثيق تراث بلدي، العمارة والعادات والثياب والكلام والأمثال والشخصيات التي تندثر. فالحارة حيث تدور الأحداث وتقيم الجدات والشخصيات العشرون يمكن أن تكون أي فريج في دبي التي تظهر أبنيتها وجسورها الجديدة في خلفية المشهد، أي قريبة وبعيدة، تماماً مثل الزمنين اللذين تتنقل السلسلة بينهما وتنظر إلى المستقبل". لا يسعى حارب الى انجاز عمل كرتون عربي،"ليس همي"، يكرر."همي هو ألا نغدو بلا ذاكرة. ولهذا اخترت الجدة التي لا يزعل منها أحد مهما قالت. ولهذا اخترت الكرتون. فهذا الفن غير المستخدم في منطقتنا يمتلك قدرات غير مكتشفة. ومنها التوثيق وتثقيف الصغار". يعتبر حارب أن اختياره فئة الشباب بين 16 وپ24 سنة لتتوجه إليهم السلسلة لا يخلو من الخطر، خصوصاً أن هناك"نظرة شائعة تعتقد بأن الكرتون للصغار فقط". فإذا كان الكبار سيجدون فيها ما يعجبهم ويتابعونه، وإذا كان الصغار يحبون الرسوم المتحركة في شكل عام وبديهي، فإن الشباب لا يرضون بالسهل ولا بالكلام التثقيفي والتعليمي والتوجيهي. ولا أخفي أنني حرصت على أن تكون اللغة البصرية والسمعية مقبولة لدى هذه الفئة الأكثر استهلاكاً، والتي سيحدد استقبالها للسلسلة التي ستعرض في شهر رمضان المقبل حصراً على تلفزيون"دبي"مستوى النجاح". مواضيع مستقلة خمس عشرة حلقة كل منها مستقلة في موضوعها، والحلقة خمس عشرة دقيقة، باستثناء الأولى امتدت إلى 22 دقيقة. وقد أنجز العمل في سنة. لكن"كل حلقة تحتاج إلى شهرين أو ثلاثة من العمل المتواصل. والحلقة الأولى استهلكت خمسة شهور". ولعل هذا ما أفضى إلى لجوء حارب إلى التعاون مع شركات خارج الإمارات التي نفذ فيها العمل، ففي الهند نفذ بعض التحريك، والسبب هو"الحاجة إلى شركات إنتاج كرتون تملك خبرة وتقنية عالية". كما أن العمل أتى في ثلاثة أبعاد كذلك حال"صاحبه"محمد سعيد حارب. فهو قاد مجموعات العمل كلها، وأشرف على التنفيذ، وهو من أعد الرسوم وطور الشخصيات وكتب أو عمل مع آخرين على وضع السيناريو، ونفَّذَ المونتاج. والأهم أنه هو أيضاً بحث عن راعٍ لعمله تمويل"مؤسسة الشيخ محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب". وقد وجده واطمأن إلى أن المسلسل"أتى بمردوده وخلاص". لكنه لم يندم للاكتفاء بخمس عشرة حلقة، لأن"ثلاثين حلقة مغامرة تجارية في الدرجة الأولى، وتلفزيونية ثانياً. فتجربة جديدة من هذا النوع تحتاج إلى وقت لكي تخرج في مستوى مرضٍ". أخيراً، تجنب حارب التعاون مع ممثلين شهيرين في الإمارات لوضع أصواتهم على الشخصيات، إذ في ذلك"خطر على السلسلة. فالمشاهد إذا عرف صوت الممثل لا تفارقه صورته، ما يعني أنه سيراه في خياله بدلاً من الشخصية الكرتون التي يؤديها صوتياً ويشاهدها على الشاشة. وإذا كان المشاهد لا يحب هذا الممثل نفر من السلسلة وأهملها". أما من تعاون معهم فهم: أشجان أم علاوي، ماجد محمد أم سعيد، سالم جاسم أم خماس وعبدالله حسن أم سلوم.