نظّمت وزارة الثقافة السورية، وبالتنسيق مع شركة"الريف"الإماراتية المنتجة للفيلم، جولة للإعلاميين إلى مدينة تدمر حيث يصور فيلم محمد ملص الجديد"المهد"الذي كتب السيناريو له وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا الذي رافق الإعلاميين في جولتهم، وتبادل معهم الأحاديث الودية، ونأى بنفسه عن"الرسميات"، وعن كونه وزيراً للثقافة، ليعبر أكثر عن كونه كاتباً لسيناريو الفيلم، وواحداً من الوفد الإعلامي الزائر، الأمر الذي ترك انطباعاً لطيفاً لدى الصحافيين تجاه شخصيته. يخيّم فريق الفيلم الجديد"المهد"وسط غابة من النخيل قرب مدينة تدمر السياحية، ولدى زيارة الموقع يخال المرء نفسه في واحة من واحات شبه الجزيرة العربية حيث الأحصنة، والجمال وخضرة النخيل، وقد اقتحمت كل هذا الصفاء الهادئ التكنولوجيا الحديثة من الكاميرا السينمائية إلى أجهزة الصوت، وأجهزة الإضاءة وسواها، ولعل هذا الانطباع يفصح عن جانب من حكاية هذا الفيلم التي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام بعقود، لتتوقف عند حادثة مهاجمة أبرهة الحبشي لمضارب قبيلة عربية هي كندة التي تسكن أطراف الصحراء، وتفاجأ بالغزو الخارجي، وهذه الإشكالية هي التي يحاول الفيلم رصدها إذ ينبش في التاريخ العربي القديم ليعثر على إسقاطات تاريخية تعبّر عن حال العرب في المرحلة الراهنة. يعمل فريق العمل القادم من مختلف البلدان باعتبار أن السينما في رأي ملص"ليست هوية قومية بل هوية فنية" بدأب وسط ظروف صعبة حيث الغبار والشمس الحارقة، والديكورات المعدة خصيصاً للفيلم، ولم نتمكن، حتى تلك اللحظة، من الحصول على أي معلومة، سوى مراقبة هذا الفضاء السينمائي الذي شكل مهداً لفيلم"المهد"، الذي يتناول"حالة التأييد أو المعارضة للغزو الخارجي، والصراع الذي ينشأ إثر هذا الانقسام"، كما قال مساعد المخرج شامل أميرلاي، وهذه الزيارة الى موقع التصوير كانت موضوعة ضمن برنامج الجولة، وجاءت تمهيداً للمؤتمر الصحافي الذي عقد مساء في أحد مقاصف المدينة. رد فعل الأمة شارك في المؤتمر رياض نعسان آغا، ومحمد ملص، والممثل المصري هشام عبد الحميد، والسوري خالد تاجا، وهاشم قيسية ممثلاً لشركة"الريف"الإماراتية العائدة إلى الشيخ طحنون بن زايد الذي نقل إلى نعسان آغا رغبته في كتابة سيناريو لفيلم يتحدث عن"رد فعل الأمة حين يأتيها الغزو"، فكان هذا السيناريو الذي اسند إخراجه، باقتراح من كاتب السيناريو، إلى ملص الذي تمكن عبر مسيرته السينمائية كما قال نعسان آغا من أن"يشق طريقاً للسينما السورية جعلها سفيرة لسوريا إلى العالم"، وفي رد على سؤال لپ"الحياة"حول إشكالية التوثيق والتخييل في النص الذي يجرى تصويره، قال نعسان آغا بأن"الفن ليس بحثاً أكاديمياً، وليس ثرثرة كذلك، وفي الوقت الذي لا يحق فيه للفن أن يزيّف التاريخ، فإنه يحق له أن يستلهم التاريخ"، مضيفاً"لا أزيّف التاريخ ولا أقع أسيراً له. أقدم قصة مستوحاة من التاريخ من دون أن أتماهى معه أو أعيده كما كان بالضبط، فالتاريخ هو فسحة للتأمل، ويمكننا أن نستخلص منه العبر". وبدوره أعرب ملص عن سروره لإخراج هذا الفيلم، مشيراً إلى أن الفيلم يحمل"فكرة نبيلة"، معرباً عن الرغبة في إنجاز فيلم"نرفع به رأسنا"، نافياً أن يكون السيناريست، فضلاً عن الجهة المنتجة، قد وضعا شروطاً، إذ أكد بأن نعسان آغا قال له لدى إعطائه السيناريو:"لا تنظر إلى هذا النص كسيناريو يجب أن ينفذ، لقد قدمت لك مادة افعل بها ما تشاء"، ومن دون الخوض في تفاصيل دقيقة، قال ملص، رداً على بعض الانتقادات المسبقة،"هذا الفيلم ينتمي إلى السينما فحسب، ففي كل ما تحقق من مشاهد حتى اليوم أنجز نصف الفيلم تقريباً لم اشعر بغربة إزاء الشخصيات التي تولد أمام الكاميرا"، وقال صاحب"الليل"بنبرة الحرص على تاريخه السينمائي:"سأنتحر لو أن لقطة ما أنجزت بعيداً من فهمي الخاص للسينما". من المؤلف الى التاريخ وفي رد على سؤال حول التحدي المتمثل في طبيعة سينما محمد ملص المندرجة تحت مسمى"سينما المؤلف"، وهذا الفيلم التاريخي المختلف عن تلك الطبيعة، قال صاحب"أحلام المدينة": لننتظر إنجاز الفيلم، وبعده نتساءل: هل استطعت التعامل مع موضوع لم أكتبه؟ ومع مرحلة زمنية لا أعرفها؟، معترفاً بأنه لم يكن يعرف كيف يشهر السيف، وكيف يعيده المقاتل إلى غمده، لكن استدرك"في السينما يجب أن نسأل، ونبحث لنعرف بصدق وبدقة". يستعين محمد ملص بكوكبة من الفنيين من مختلف الجنسيات، فمن إيران هناك سياميك مصطفى للمكياج، ومن تونس توفيق الباهي للديكور مع السوري زياد قات، ومن البرتغال إلسو روك مديراً للتصوير، ومن فرنسا برونو مهندساً للصوت، وغازي القهوجي مصمماً للملابس، والنحات السوري عاصم باشا للإكسسوار... وغيرهم، إضافة إلى ممثلين من سوريا هم :خالد تاجا، باسل خياط، عبدالرحمن آل رشي، عمر حجو، مجد نعسان آغا...وغيرهم، ومن مصر يشارك هشام عبدالحميد وعمرو عبدالجليل، ومن فلسطين الممثلة عرين العمري. وبرّر ملص مشاركة هؤلاء الفنانين والفنيين من جنسيات متعددة في الفيلم بالقول"أنا أتعامل مع السينمائي الذي يحقّق لي فيلمي، ولحسن الحظ لم أر يوماً فيلماً إسرائيلياً مصوراً في شكل جيد"في إشارة إلى انه من الممكن أن يستعين بسينمائي إسرائيلي إذا ما حقق له هذا السينمائي الفيلم الذي يبحث عنه، وأضاف"أنا اختار الفنانين والفنيين من دون أي اعتبار لجنسياتهم، لأنني انتمي إلى السينما دون أي شيء آخر"، وخصّ الممثل السوري بمديح لافت، وبتقدير بالغ، معتبراً أن هذا الممثل"لم يلق الاهتمام المطلوب". هشام عبدالحميد أعرب، بدوره، عن سعادته للمشاركة في هذا الفيلم وقد اعتبرها"فرصة ذهبية"سنحت له، فهذا الفيلم يعني له الكثير، كما قال، ولئن أشار إلى المعاناة والجهد والتعب... لكنه قال أننا مستمتعون، ومعجبون بإدارة ملص الذي يدقق، دقة شديدة، حسب تعبيره، في كل إيماءة أو مفردة أو إشارة أو حركة، ويحرص على دقة الديكورات والأزياء والإكسسوارات... ليرسم لوحات"متناهية الجمال"، معتقداً بأن هذا الفيلم"يصنع من القلب ليصل إلى عموم جمهور السينما".