في بحيرة"فران"الكرواتية الواقعة قرب البحر الأدرياتيكي، تتآلف عناصر الطبيعة الساحرة لتشكل مشهداً طبيعياً خلاباً يثير في النفس مشاعر الاندهاش المصحوب بالمتعة والارتياح الشخصي الفريد الذي لم يألفه الزائر الى هذه المنطقة من قبل. فكل شيء هنا يعزف موسيقاه بأدوات من الجمال الساحر، فخرير المياه المتدفقة وخضار الساحل وأشجار الفواكه الكثيفة والبيوت الريفية الصغيرة، المتناثرة هنا وهناك، كلها تجعل من هذه المنطقة السياحية المعروفة، قطعة من الألوان المبهجة والمتداخلة في ما بينها. وتعرف هذه البحيرة السياحية من قبل أهالي المنطقة ب"بحيرة الطيور"، حيث تستوطنها أنواع مختلفة من الطيور المقيمة أو المهاجرة، إضافة الى الحيوانات البرية التي تغزو مزارعها المتشابكة. لذلك فإن السياحة في هذه المنطقة لم تقتصر على محاسن مياهها وجمال طبيعتها ونظافة شواطئها، وإنما أيضاً ما تستحضره من متعة النظر الى الحيوانات البرية، خصوصاً الطيور المقيمة أو المهاجرة، إضافة الى ممارسة هواية الصيد المائي والبري. لذلك فإن السياحة في أجواء البحيرة تبلغ ذروتها في الافادة من الناحيتين الجسمانية حيث بإمكان السياح ممارسة مختلف أنواع النشاطات الرياضية في المياه أو على الشاطئ أو في البرية حيث المزارع والغابات والجبال الشاهقة والملونة بالألوان القزحية وأيضاً من الجانب المتعلق بالراحة والاستجمام وتجديد النشاط الروحي للزائر. تقع بحيرة"فران"في منتصف المسافة بين مدينتي زادار وشبينك، في الجانب الأيمن من البحر الادرياتيكي. وتعتبر المنطقة المحيطة بهذه الجزيرة واحداً من اشهر وأهم المعالم السياحية الكرواتية التي تجتذب السياح من كل مكان، وفيها تمارس رياضات مختلفة كسباق الدراجات الهوائية والتفسح أو المشي في السهول الخضراء وتسلق المرتفعات الجبلية وقطع المسافات في وسط الغابات الكثيفة وممارسة رياضة صيد الحيوانات البرية المختلفة، وما الى ذلك من مجالات المتعة والتسلية. فمساحة البحيرة تبلغ نحو 30 كيلومتراً مربعاً، بينما لا يتعدى عمق المياه فيها أكثر من المترين، في حين لا يفصلها عن البحر الادرياتيكي في بعض أطرافها سوى عشرة أمتار تقريباً. وترتبط البحيرة بقنوات مائية طبيعية عدة، يبلغ طول إحداها نحو 800 متر تقريباً، تدعى ب"قناة بروسيك". ولأنها تقع في الأراضي اليابسة، فإن مياهها تتميز بقلة نسبة الأملاح فيها، ولذلك يفضل السياح ممارسة السباحة في هذه المياه أكثر من مياه البحر الأدرياتيكي. والمنطقة التي تقع فيها بحيرة"فران"ليست معزولة عن التاريخ الكرواتي، فقد كانت مسكونة منذ أقدم الأزمان من قبل الرومان الذين نزحوا اليها واستقروا فيها منذ حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، بعد أن اختاروها لمجاورتها المياه والغابات وتوافر الثروة الحيوانية، إضافة الى ما تدره من محاصيل زراعية كثيرة خصوصاً الفواكه والحبوب. وأنشأ الرومان شبكة من القنوات المائية المنتظمة، وبنوا القلاع والكنائس والأديرة المختلفة، وإحدى أهم هذه القلاع"القلعة الرومانية"الكبيرة، التي أهداها في ما بعد الملك دنميتيار زوفونيمير الى البابا الذي سجلها باسم الكنيسة. كما يوجد واحد من أهم المواقع الاثرية الذي تركه الأتراك وراءهم، بعد أن سيطروا على مناطق البلقان لقرون عدة، وهذا الأثر عبارة عن بناية السراي، وهو أحد أهم الآثار الاسلامية العتيدة في المنطقة، والمنتشرة في كل مكان تقريباً. وهناك القلعة التركية أو الديوان التركي الذي هو جزء من بناية السراي. وقد بني السراي في القرن السابع عشر كمكان للراحة وتفريغ أو تحميل البضائع في قوافل العربات التي تجرها الخيول، القادمة أو الذاهبة الى أرجاء أوروبا والعالم القديم. وعلى مقربة من البحيرة تتوزع المدن الكرواتية الجميلة، مثل مدينة بيوغراد الصغيرة ومدينة بالكوشتان السياحية التي تضم ايضاً مخيماً للاقامة أو الاستراحة. تزدهر في منطقة بحيرة"فران"الزراعة بشكل ملحوظ، وتشكل الطبيعة الساحرة هدفاً يقصده السياح على الدوام، فأهل المنطقة من الفلاحين وملاك الأرض قد تعودوا على مشاهدة أمواج السياح، وهم يطوفون في مزارعهم وغاباتهم، وفي كل مرة يعقدون معهم صداقات وعلاقات ودية للغاية، ويقومون بتزويدهم بالخضار والفواكه والأجبان ولحوم الحيوانات، من دون مقابل في معظم الأحيان. في عام 1983 انشأت السلطات الكرواتية واحداً من أوسع المتنزهات الطبيعية لحماية الطيور المقيمة والمهاجرة الى هذه المنطقة، ومنذ ذلك الحين استقرت ممالك عدة من هذه الطيور في أعشاش أو مخادع أو ثقوب في صخور الجبال، وهي تثير المتعة لدى السياح الذين يأنسون لمثل هذه المناظر الحية. يقع المتنزه في الجزء الشمالي من البحيرة، أما الجزء الجنوبي، فيمتاز بأراضيه الحجرية التي تضم سواحل وشواطئ وبلاجات رائعة الجمال، وتغطي معظم أراضي السهل الحشائش والأشجار التي تجعل منه موضعاً ملائماً لراحة الزوار. وبحيرة"فران"ليست جزءاً من بحر الادرياتيك، وانما هي بحيرة محاذية له، وتوفر كما هي الحال بالنسبة الى البحر الادرياتيكي، خدمات سياحية راقية تعكس تقاليد وكفاءات أهلها في هذا المضمار. والوصول الى البحيرة يمكن ان يتم بواسطة السيارة، حيث يزيد ذلك من حجم المتعة بالنسبة الى الزائر من خلال مشاهداته للمدن الكرواتية الجميلة اثناء مروره بها. وأقصر الطرق وأكثرها ضمانة هو الطريق الذي يبدأ من العاصمة النمسوية فيينا، ويمر بمدينة كراس ثم مدينة زاهر شب فمدينة كارلوفاس. بعد ذلك يدخل المسافر الى الطريق الدولي المرقم A1، باتجاه مدينتي سبليت وسيزد زادار، حتى يصل أخيراً الى موقع البحيرة المنشودة. ويمكن الحصول على الدليل السياحي للمنطقة في المركز السياحي الواقع في مدينة بيوغراد المجاورة. جزيرة"فران"هبة البحر الادرياتيكي، قطعة رائعة من الجمال الطبيعي، فذاكرتها تعلق في الذهن الى أمد بعيد، ويقولون عنها انها تسحر من يزورها، فلا يفتأ ان يعود اليها مرة ثانية، وفي كل مرة يتجدد مفعول السحر، ومعه تتجدد حياة الزائر وتنتعش قواه.