الموضوع ببساطة موضوع إرسال واستقبال. شخص يرسل معلومة، وآخر يستقبلها - سواء بصيغة المفرد أو الجمع. لكن للعملية أبعاداً أخرى، تستحق التمحيص. من يقوم على محطات التلفزيون العربية، وهم اختصاراً المرسل؟ ومن، في المقابل، جمهور هذه المحطات، وهم اختصاراً المستقبل؟ - التدقيق هنا يكون في اختلاف الهيئات: هل يتشابه كل المرسلين ليس على طريقة يخلق من الشبه أربعين وهل يتشابه كل المستقبلين؟ لو كان المرسلون مختلفين، لكانت الصورة على التلفزيون مختلفة: المرسل موزع الهوى بين أن يكون موالياً لطرف مالكاً لمحطة سياسية أو منحازاً للفن من أجل الفن مالكاً لمحطة فنية وهكذا الأمر مع مالكي محطات الرياضة والأفلام. أما المشاهد، فهو لوحة أكثر تنوعاً - أعرض وأطول وملوّناً أكثر: أين يجد مثلاً كبار السن شاشة لتهتم لشؤونهم؟ ماذا عن المثقفين وماذا عن محبي أنواع أخرى من الفنون غير الدارجة؟ يبدو الاتجاه واحداً، والهدف كذلك. لكن الجمهور الذي يتابع المباراة خليط متعدد الأجناس والثقافات: هل هذا هو التيار، الذي لا يستطيع أحد السباحة في وجهه؟ في قول آخر: هل هذه هي أطراف المعادلة، وهل هذه هي كل الأبعاد؟ أين يقف أصحاب رؤوس الأموال، الواقفين بهيئة معلنين على أبواب المحطات التلفزيونية؟ الاتجاه الواحد الذي تسير عليه المحطات التلفزيونية العربية مسألة لا بد من أن تتكرر أكثر من مرة حين يتعلق الأمر بنقد لوسائل الإعلام المرئية العربية: تشابهها يجعل ما يكتب فيها متشابهاً، ويجعل مشاهدها متشابهاً مع"زملاء"في المهنة، ويجعل الفضاء قائماً على قدم واحد، ربما بساق أو من دون، بالتالي فإن الصورة تعاني عرجاً واضحاً: ألم تملّ عيناك يوماً وأنت تقلّب بين المحطات بحثاً عن شاشة تريك شيئاً مما تريد أنت، لا ما يريدون هم؟ لا جديد في قديم الفضاء ولا في جديده. لا اختلاف حقيقياً في ما نراه على الشاشة: إنه تيار قوي، ربما يجرف في طريقه أشياء أخرى نسيناها، يسير في اتجاه واحد، ولا أحد يسبح ضده. وكل واحد منا لسان حاله يقول: أنا لا أستطيع العوم، لا ضد التيار أو معه. إني أغرق، أغرق، أغرق.