يتحول الريموت كونترول في كثير من الأحيان إلى سبحة في يد مشاهد التلفزيون. المحطات تتقلب أمامه، متشابهة في محتوياتها: جزء إخباري يتصدره الدم والذبح والقتل ومشاهد على الوتيرة ذاتها من الألم. جزء ثان ترفيهي صاعق، يتراقص من دون هوادة، ويغني بلا معنى ولا طعم أو رائحة أو لون. جزء آخر رياضي يذكر باللهاث والتعب والعرق، كرات تتطاير ورياضيون يصرخون ابتهاجاً، أو حزناً على كأس ضاع. جزء أخير من الدراما والكلام الفارغ والقبل التي قصها مقص الرقيب قبل أن تكتمل. التكرار يبعث على الملل عادة، وهذا ما يحدث. تظل المحطات تتقلب بلا هدف. فما يغيب عنك في المحطة الإخبارية الأولى ستتابعه على الثانية، وسترى شخصاً يحلل في شأنه على المحطة الثالثة. والأغنية التي لم تتابعها كاملة على المحطة الغنائية الأولى ستراها حتى يضج رأسك بها على الثانية والثالثة والرابعة. والمباراة التي لن تنقلها المحطة الرياضية الأولى ستتابعها حصرياً على المحطة الرياضية الثانية، وسترى تسجيلاً لها على المحطة الثالثة. والفيلم الذي فاتتك بدايته على محطة الأفلام الأولى ستتابعه بعد قليل على المحطة الثانية. والتكرار يمتد إلى سرد الأمثلة. في غمرة هذا التكرار المركز، ينتابك شعور بأن الكادر - وهو يظهر في شكل مكرر: صورة وشريط يجر كلمات في اتجاه واحد غالباً - يحمل بعضاً من الجدة. لعل هذا ما يميز محطة أمام أخرى؟ الشريط الإخباري في المحطات الإخبارية يتشابه هنا أيضاً. كل ما يختلف هو كلمة عند المحطة الأولى غير موجودة عند الثانية، حذفت لغايات تحريرية. ورسائل الحب في شريط الرسائل القصيرة على المحطة الأولى تتكرر على الشريط في المحطة الثانية. كل ما يختلف هو الأسماء المرسلة، والأرقام التي يضعونها بغية"التواصل"بصيغه المختلفة. حتى الإعلانات تتشابه. إنه الإعلان نفسه هنا تراه هناك. المرأة ذاتها الجميلة تؤكد على هذه المحطة وتلك وتلك وتلك أن شعرها صار أفضل مع هذا الشامبو لا ذاك. وتلك الفنانة الجميلة تراها أينما حللت تشرب ذلك المشروب بأسلوب فني مميز. تظن لوهلة أن الريموت لا يعمل وأن العمر الافتراضي للبطارية قد انتهى. لكن شعار المحطات يتغير، وبعض الوجوه يتغير هنا وهناك. لكن ذلك الشيء الموجود داخل المحطة لا يتغير ويظل يتكرر. ربما هي محطة واحدة متنكرة في أكثر من شكل. هل نحن في حاجة إلى كل هذه المحطات؟