لا جديد في القول إن سيل الفضائيات العربية الجارف منوّع. هناك عشرات من محطات متخصصة بالأخبار. وأضعاف مضاعفة متخصصة ببث الأغنيات والفيديو كليبات على مدار الساعة مزيّنة بكثير من رسائل SMS أسفل الشاشة، وعدد لا بأس به من"تلفزيونات الأطفال"، إضافة إلى المحطات التلفزيونية الرياضية وعدد مماثل تقريباً من المحطات المتخصصة في بث أفلام سينمائية عربية وأجنبية، وثلّة من محطات"التعارف الخفي"القائمة على أساس حب الدردشة التشات وتسريب أرقام الهواتف، وصنف أخير من المحطات التي لا تحمل صبغة معينة وليست متخصصة في شكل دون آخر من البرامج، لتكسب صورة لنفسها ترسمها"محطة منوعة"صالحة للاستهلاك الأسري، في ما هي قناة للعائلة. في هذا التصنيف، المنوّع، لا تجد المحطات الرسمية لنفسها مكانا في أي من هذه الخانات، وكأنها ترفض أن تكون من ضمن"الموجة"الفضائية، فتراها تعيش خارج الزمن. الأهم، أنه وعلى رغم كل هذا التنوّع في المحطات الفضائية العربية، فإن ما يبث على المحطات يكاد لا يتنوّع. يبدو التنوّع شكلياً فقط. تنوّع في الاسم، لا في المهام. فعند المحطات الإخبارية تشاهد الخبر ذاته في أكثر من حلة. الاختلافات لا تطال أمراً أبعد من تعديلات لغوية بسيطة تقتضيها السياسات التحريرية. وعند المحطات الغنائية تشاهد دوماً نانسي عجرم في الحال ذاتها ، مؤكدة في شكل متواصل أنها معجبة ومغرمة. وعلى شاشات المحطات الفضائية تشاهد المباراة نفسها والهدف نفسه والجمهور نفسه صارخاً على المدرجات، وتسمع أيضاً المعلق التلفزيوني نفسه يصرخ قائلاً: جووووول! لا يصب تنوّع الفضائيات العربية كثيراً في مادة منوعة على الشاشة - أمام المشاهد. فلكثرة ما تتكرر البرامج والأفلام والأغنيات والمباريات يكاد المشاهد يشعر أنه أمام محطة تلفزيونية واحدة. يبدو التنوع شكلياً على المحطات التلفزيونية. من هنا هو لا يفسد للود قضية. فتكرر النوعية ذاتها من البرامج والأفلام والمسلسلات والأغنيات والمباريات يجعل المشاهد مستغرباً فكرة وجود الريموت كونترول في يده: ماذا يفعل هنا طالما كل ما يبث عبر الفضاء هو الكلام ذاته ؟ هذا العدد الكبير من المحطات التلفزيونية لم يشكّل بعد تنوّعاً في المضمون: ألا يكفي كل هذا الوقت وهو كثيراً ما يكون فارغاً للتفرّغ وإعداد برنامج جديد، أو بث فيلم لا يحضر كثيراً على الشاشة أو بث أغنية لا تنتمي إلى التيار الجارف؟ ألا يكفي كل هذا الوقت لمزيد من التدقيق في أن ما يحضر على هذه الشاشة ليس ذاته ما يحضر على الشاشة الملاصقة؟ هذا التنوع غير المنوع قد يدفع المشاهد إلى البحث عن محطة واحدة، وكسر الريموت كونترول، بعد نزع البطاريات للاستفادة منها في أمور أخرى. فمحطة رقم واحد هي ذاتها محطة رقم ثلاثة وأربعة ومليون. لكن الحل لن يكون بالتأكيد البحث عن كبسة إطفاء التشغيل.