قبل سنوات قليلة، كان مشاهد تلفزيون العربي يئن تحت وطأة المحطات التلفزيونية الرسمية. الآن أمام المشاهد عدد كبير من المحطات يسمح له بالتنقل بينها، إضاعة وقت يكفل له قراءة صحيفة كاملة، بإعلاناتها. هل تغير المشهد؟ قبل سنوات، كان المشهد واحداً لا يتغير: المذيع ذاته ثقيل الظل يحاول تسلية المتفرجين في سهرتهم التي يفترض لها أن تسير في مسار مسل يخفف من كآبة الأيام المتواصلة. الآن أجريت عملية استنساخ لذلك المذيع ثقيل الظل، وها هو يتنقل من محطة إلى أخرى عارضاً خدماته في التسلية. كانت هناك محطة تلفزيونية حكومية، واحدة في الغالب، تتحكم في كل شيء: متى تبدأ برامج الأطفال ومتى تنتهي. متى يبدأ مسلسل السهرة ومتى ينتهي. متى تبدأ نشرة الأخبار الرئيسية ولا تنتهي - لأنها أخبار من طراز"استقبل - ودّع". كان لتلك المحطة، التي تختلف في مسماها لا في محتواها، هيبة ووقار لا ينكسران. كانت"سي السيد"، والمتفرجون نساء مطيعات. الآن، اختلف الوضع. هناك أكثر من"سي السيد". والمحطات التلفزيونية لا تنتهي. هناك برامج أطفال على مدار الساعة. مسلسلات وأفلام لا حصر لها تتوالى في إيقاعات سريعة على الشاشة من دون توقف. أخبار ليست محصورة بنشرة مسائية دسمة، ويمكن اختصارها في شريط إخباري يكاد يتشابه. هل من اختلاف في الأمر؟ وهل صارت مشاهدة التلفزيون فعلاً ديموقراطياً حقاً، يشاهد فيه المشاهدون ما يريدون حقا؟ أم أن الاختلاف طاول القشور وتوقف؟ هل كان"الوضع التلفزيوني"سابقاً أفضل؟ كانت المحطة الواحدة تبث كل شيء تريده. الآن توجد أكثر من محطة تلفزيونية تبث ما تريده. هل كان الوضع التلفزيوني أفضل، أم أنه الآن أفضل؟ لماذا المقارنة أصلاً؟ مكانك سر.