تزايدت في الآونة الاخيرة في دول مجلس التعاون الخليجي التوجهات الرامية الى البحث في إمكان فرض ضرائب، اذ نوقش هذا الأمر على مستوى وزراء المال والاقتصاد في دول المجلس، على أن تعد دراسة متكاملة حول الأخذ بضريبة القيمة المضافة، في مرحلة أولى. أما في الكويت، فجرى الحديث عن إمكان فرض ضريبة على الدخل. وتعتبر الضرائب عموماً جزءاً مهماً من الأنظمة الاقتصادية، كما تشكل مصدراً رئيساً لموازنة الدولة وبرامجها التنموية، وتمكن ملاحظة ذلك في البلدان الصناعية المتطورة، والتي تتمتع بأنظمة ضرائبية متطورة جداً. فعلى سبيل المثال تفوق الضرائب على وارداتها من النفط عائدات صادرات النفط في الدول الاعضاء في منظمة"أوبك". وتعتمد بلدان نامية كثيرة أنظمة ضرائبية، لكنها لا ترتقي الى مستوى الشفافية والتنظيم اللذين تتميز بهما أنظمة الدول الصناعية. أما البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تعتمد اساساً في تمويل الموازنات السنوية وبرامج التنمية على عائداتها من صادرات النفط. وفي مثل هذه البلدان هناك رسوم على بعض أنواع الخدمات وبعض الضرائب الانتقائية، كما هي الحال في السعودية والكويت وقطر وعمان، في حين لا يوجد أي شكل من أشكال الضرائب في كل من الامارات والبحرين، ما حوّلها الى ما يسمى"جنة الضرائب". وتعتبر الدعوات الرسمية الرامية الى الأخذ بنظام الضرائب مناسبة، وتندرج ضمن عملية تحضير الاقتصادات الخليجية لمرحلة أكثر تطوراً وتنوعاً وأقل اعتماداً على العائدات النفطية المتأرجحة صعوداً وهبوطاً وفق ظروف أسواق النفط العالمية، ما يؤثر في الانفاق العام وفي برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس. هذا التوجه الصحيح يحتاج الى عملية تحضير والى متطلبات عدة، حتى يمكن تطبيقه واستمراره بنجاح. فالانتقال من نظام شبه خال من الضرائب استمر أكثر من خمسة عقود الى نظام مختلف تماماً يقوم على أسس ضرائبية جديدة، ليس أمراً سهلاً وتلقائياً. لا بد أولاً من الأخذ في الاعتبار حقيقة مهمة تكمن في تحوّل دول المجلس خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة مع بداية عام 2003 ، الى سوق خليجية موحدة، لا ينفع معها تطبيق أنظمة ضرائب في إحداها من دون الاخرى. ففي الوقت الحاضر، لا يمكن من الناحية العملية تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دولة خليجية واحدة على سبيل المثال من دون غيرها، اذ سيؤدي ذلك الى ارتفاع التكاليف وانتقال النشاطات الى البلدان الاخرى بحكم وحدة السوق الخليجية وغياب الرسوم الجمركية بين دول المجلس. لذا، فإن أي شكل من أشكال الضرائب، بما في ذلك الضرائب على الدخل، لا بد أن تأخذ شكلاً خليجياً جماعياً. فبعد منطقة التجارة الحرة والجدار الجمركي والسوق المشتركة وتوحيد العملة، فإن دول المجلس ستصل الى شكل أرقى من التكامل يتمثل في توحيد الأنظمة والسياسات الاقتصادية، ربما بعد خمس سنوات من الآن، وبالتالي يجب وضع أنظمتها المستقبلية في شكل يتناسق مع التوجهات العامة في نطاق السوق الخليجية المشتركة لكي تعمل. من جهة اخرى، تشير تجارب مختلف بلدان العالم الى نجاح أنظمة الضرائب في البلدان الصناعية المتطورة، وقصورها وتدني ادائها في البلدان النامية، لأسباب عدة. فنجاح نظام الضرائب يتطلب كثيراً من الافصاح والشفافية والمتابعة مع وجود أجهزة إدارية حديثة ومتكاملة. الى جانب ذلك، يتوقع دافع الضرائب، كما هي الحال في أوروبا والولايات المتحدة واليابان الحصول على خدمات اجتماعية وبنيوية متطورة تتناسب طردياً مع ما يدفعه من ضرائب، اذ من دون ذلك يفقد نظام الضرائب أهميته ويفرغ من محتواه. وللوصول الى ذلك هناك دور مهم لأجهزة التحصيل والادارة الضرائبية والاشرافية على عملية جمع حصيلة الضرائب وتوزيعها واستثمارها بكل أنواعها. واذا استكملت كل هذه المقومات ووُضع نظام خليجي متكامل للضرائب، فإن نقلة نوعية كبيرة تنتظر الاقتصادات الخليجية في الفترة المقبلة، ستساهم في إضفاء طابع اقتصادي متقدم واقل ريعية، الا أن مدى نجاحها سيعتمد على حسن عملية الاعداد لها واستثمارها بما يتناسب ورفع المستوى المعيشي وتنمية هذه الاقتصادات في المستقبل مع الاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة، تلك التجارب التي تراكمت على مدى اكثر من قرنين. * باحث اقتصادي.