أمام باب المحكمة كانت الفتاة واقفة تحمل طفلتها تتوسل الى الحارس أن يدخلها أخبرها أنها لا تحمل التصريح ظلت الفتاة واقفة حاملة طفلتها فوق صدرها وانقضى وقت طويل كانت الشمس حارقة والفتاة يتصبب منها العرق وطفلتها فوق صدرها تبكي تتوسل إليه الأم وتقول أن طفلتها بريئة من الذنب يرد الحارس بصوت غليظ أن باب المحكمة لا يفتح إلا بتصريح أراد التخلص منها فأشار عليها أن تذهب الى باب السماء المفتوح للجميع سألته الفتاة عن الطريق الى باب السماء فزجرها واتهمها بالجهل لعدم معرفتها الطريق ولأنها صغيرة السن ولا تعرف القراءة ولا طريق الذهاب أو الإياب فقد ظلت واقفة بالباب وتربع الحارس على دكته وأكل وشرب ونام ثم استيقظ والفتاة واقفة في مكانها فوق صدرها طفلتها تتوسل إليه من جديد أن يدخلها إندهش الحارس من إصرارها وتذكر أمه بدأ ضميره النائم يصحو أنها جاءت تطلب العدل مثل الكثيرات وأن باب المحكمة مثل باب السماء لا بد من أن يكون مفتوحاً للأمهات تأملها الحارس بجلبابها المهلهل وقدميها المشققتين وطفلتها المبللة بالعرق التي سكنت ونامت فوق صدر أمها من التعب وقرر ضميره الصاحي من النوم ألا يتركها واقفة فأحضر لها مقعداً واطئاً بغير ظهر كان يجلس عليه في دورة المياه ليغتسل سمح لها الحارس أن تجلس وهو واقف على قدميه حتى يتسلم زميله البوابة فى الليل كان يحرك قدميه وهو واقف ليجري فيهما الدم ويسلي نفسه بالكلام مع نفسه أو يغني بصوت أمه حتى يروح في النوم ثم بدأ يتجاذب أطراف الحديث مع الفتاة الجالسة فوق المقعد بغير ظهر وقد أسندت ظهرها الى جدار المحكمة ونقلت الطفلة من فوق صدرها الى فوق ركبتيها تؤرجحها لتكف عن البكاء وسألها الحارس باقتضاب عن أهلها وزوجها وأبيها واعترفت له الفتاة ليس لها أب ولا زوج ولا أهل فانتفض لسماع قولها وأكد لها بصوت أغلظ مما سبق أنه لا يمكن لها الدخول من باب المحكمة حتى تحصل لطفلتها على اسم أب وان كان لصاً أو نذلاً أو خائناً للوطن أو اسم أب وهمي حسب القانون وعليها أن تدفع الرسوم سألت الفتاة الفقيرة أيهما أرخص قال لها انه الأب الوهمي إذ ليس هناك إلا الرسوم ولا أجر المحامين ولا بقشيش الموظفين والفراشين بعد كسب قضية الشرف سألت الفتاة أليس هناك أب بغير رسوم أليس هناك شرف بغير فلوس كانت الفتاة حين تظلم الدنيا تتستر بالظلمة وترقد وراء الجدار في حضنها الطفلة وفي الصباح تعود الى الوقوف بالباب كان الحراس يتناوبون الليل والنهار تتغير وجوههم لكن زيهم الرسمي هو الزي وصوتهم الغليظ هو الصوت وقد يعطيها أحدهم المقعد بغير ظهر ثم يشده منها حين يعلم أنها لا تملك البقشيش وطفلتها بغير أب تسمعه يزمجر بأصوات مبهمة تستحلفه بحياة أمه التي يحبها دون الخلق وينشغل عنها الحارس بهرش لدغات الضمير والبراغيث والفتاة لا تكف عن البكاء حتى ضعف نظرها وما عادت تعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل إلا أن الأمل كالنجم في قلب الأم لا ينطفئ كانت ترى نقطة الضوء تبرق في الظلام من باب المحكمة وتصورت أنه مثل باب السماء سينفتح وصوت سوف يهتف أن اسم الأم أشرف لطفلتها من اسم الأب النذل كان الوقت يمضي والفتاة لا تعرف اليأس وشيء في صدرها يهمس أن الكون لا يمكن أن يكون بغير عدل وتجمعت في ذاكرتها كلمات أمها أن الله موجود وأن الظلام وإن طال فلا بد من أن يطلع الفجر كانت الفتاة قد راح بصرها وانحنى ظهرها من وطأة الغدر وقال لها الحارس في نهاية الأمر أن الكثيرات مثلها يلهثن حتى الوصول الى هذا الباب ثلاثة ملايين أم من فوق صدورهن ثلاثة ملايين طفل ولم يكن أبداً لواحدة منهن أن تدخل لأن هذا الباب لا يفتح الا بتصريح كان عقل الفتاة من شدة الإعياء قد انشطر وقلبها من الحزن انكسر فسألته من هو الذي يعطي التصاريح؟ أطبق الحارس فمه دون نطق رافعاً نحو السماء عينيه