تقف لينا البالغة من العمر 22 سنة على الطريق الواصل بين نيجني نوفغورود وفلاديمير، منذ ساعات الصباح الباكر بانتظار مرور شاحنة محملة بالبضائع التي تعبر الطريق الممتد من موسكو الى حوض نهر الفولغا، على أمل أن تجد من ينتشلها لقضاء بضع ساعات تعود بعدها الى بيتها وقد حصلت على عشرين أو ثلاثين دولاراً، أما إذا كانت محظوظة فهي تقضي أياماً برفقة سائقين لمسافات طويلة منهكين من عناء الطريق تعود بعدها محملة بهدايا صغيرة وبمبلغ مالي. تقول لينا إنها تعبت من هذه الطريقة التي تعود عليها بپ"كوبيكات"بالكاد تكفيها مع أسرتها الصغيرة المؤلفة من طفل عمره أربعة أعوام تقوم وحدها بتربيته إضافة إلى والدتها المسنة، وهي تحلم بالوصول إلى موسكو حيث المجالات"أوسع بكثير"ولهذا تراقب باهتمام أبواب الإعلانات في الصحف التي تصل الى منطقتها. إعلان بريء المظهر مثل:"هل ترغبين بالزواج من ثري أوروبي؟ اتصلي على الرقم التالي!"أو"مطلوب راقصات ونادلات وعاملات تنظيف للعمل بوظيفة ذات دخل ممتاز خارج روسيا، مستعدون لتجهيز كل الوثائق والتأشيرات المطلوبة!". هذه هي البداية بالنسبة الى كثيرات انتهى بهن المطاف بائعات للهوى في ملاه ليلية في تايلاند أو تركيا أو بلدان في الشرق الأوسط بينها إسرائيل. أما المحظوظات منهن فقد قادتهن الأقدار الى أوروبا حيث تشغل"الروسيات"مكانة مرموقة بين بنات المهنة، خصوصاً في دول مثل اليونان، ثم ان للوصول الى أوروبا ميزة مهمة فهو يفتح الطريق غالباً نحو أرض الأحلام أي الولاياتالمتحدة التي نادراً ما وصلتها"فراشات الليل"الناطقات بالروسية وعدن منها، إلا في حال تدخلت الأقدار والبوليس الدولي، وأعادت سيئات الحظ الى بلدانهن الأصلية. وظاهرة"تصدير"الفتيات من روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة الى مناطق مختلفة في العالم والتي بدأت فور سقوط الحاجز الحديد الذي عزل الاتحاد السوفياتي لعقود، اتخذت أبعاداً أكثر خطورة خلال السنوات الأخيرة، فهي ترافقت مع انتشار ظاهرة جديدة أثارت قلقاً جدياً عند المنظمات الدولية المعنية بسبب سعة انتشارها وصعوبة قطع الطريق على هياكل الجريمة المنظمة التي تخصصت فيها، الظاهرة التي أطلقت عليها تسمية"تجارة البضائع الحية". ليست جديدة على العالم لكنها بحسب مصادر أمنية روسية اكثر خطورة في روسيا والفضاء السوفياتي السابق لسببين أساسيين، فهي تنتشر في جمهوريات تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية مستفحلة تشكل أرضاً خصبة لازدهار هذا النشاط واتساع رقعته مع استعداد الملايين من المحرومين الذين يعيشون تحت معدلات خط الفقر للانخراط فيه، كما ان قصور التشريعات وضعف الأجهزة المختصة وتورط جزء مهم منها في هذه التجارة تجعل مواجهة الظاهرة اكثر صعوبة وتضعاها بحسب تقدير مختصين روس على رأس سلم الأولويات التي ينبغي على المؤسسات المعنية دراستها ووضع الآليات الكفيلة بمحاربتها. "البضائع الحية" أطفال ونساء وعمال! قبل أسابيع أثارت عملية دهم نفذتها وحدات تابعة لهيئة وزارة الأمن الفيديرالي الروسي في مدينة غروزني الشيشانية دهشة الأجهزة الروسية، فالمكان الذي تم دهمه بناء على شكوى وصلت من مجهول قال ان ثمة نشاطاً مريباً يجري داخل منزل سيدة شيشانية مكون من طبقتين مظهره الخارجي لا يثير الشبهات، كان أشبه ما يكون بعيادة تم تجهيزها على أرفع المستويات، وعثرت الشرطة فيه على معدات متطورة وتجهيزات ومواد طبية كافية لسد حاجة مستشفى كامل متخصص بأمراض التوليد والطب النسائي. وأثبتت التحقيقات ان المنزل استخدم طوال سنوات لبيع... الأطفال حديثي الولادة، وأشرف على المنزل - المستشفى فريق طبي كامل على رأسه طبيبة توليد وعدد كاف من الممرضين إضافة الى فريق إداري هو في الواقع عصابة باعت عشرات الرضع خلال فترة وجيزة، والآلية بسيطة للغاية: وضع القائمون على العمل لائحة أسعار وصل فيها"سعر"الطفل الذكر الى نحو خمسة آلاف دولار، مقابل اكثر قليلاً من نصف هذا الرقم للأنثى، وقامت العصابة بالاتفاق مع فتيات حوامل في مقابل مكافأة او بالإكراه أحياناً لبيع طفلهن في مقابل مكافأة معينة. وأشارت مصادر شيشانية تحدثت الى"الحياة"الى ان كثيراً من الفتيات لجأن الى هذه الطريقة إما بسبب الأحوال المعيشية القاسية او للتخلص من جنين غير مرغوب به، ولفتت الى ان سنوات الحرب في الجمهورية خلفت آثاراً اقتصادية واجتماعية خطرة، شكلت أرضية خصبة لنمو هذا النوع من التجارة. اللافت ان هذه ثالث عيادة سرية يجري الكشف عنها خلال الفترة الأخيرة في الشيشان، لكن الأكثر خطورة انه في حالات كثيرة لم تكن الصفقات تتم للحصول على طفل حي، بل كان الأطفال المباعون يجدون طريقهم للتهريب خارج روسيا حيث يتم استخدام أعضائهم للبيع عبر المافيات المتخصصة في العالم. والمثير أن مثل هذه العيادات موجودة في غالبية الأقاليم الروسية وهي تعمل عبر وكالات محلية وأجنبية متخصصة غالباً في تسهيل عمليات"التبني". ولا يقتصر النشاط في هذا المجال على المافيا الروسية وحدها، فقد أظهرت قضية كشفت الشهر الماضي تعاون هياكل الجريمة المنظمة في روسياوالولاياتالمتحدة ودول أخرى مثل إسرائيل لتسهيل عمليات تهريب الأطفال من روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة وبيعهم في"السوق الدولية". وكشفت مصادر في النيابة العامة لپ"الحياة"تفاصيل عملية مشتركة نفذتها أجهزة الأمن الروسية والأميركية لملاحقة عصابة دولية اتخذت من وكالة للتبني غطاء لها، وكان لها فرع رسمي في كاليفورنيا مارس لسنوات نشاطاً مكثفاً داخل الجمهوريات السوفياتية اتجه رسمياً نحو"جمع المعلومات حول أوضاع الأطفال ومشكلاتهم"، وتفتحت عيون الجهات المختصة على هذا النشاط بعد الإعلان عن موت عدد من الأطفال الذين تم بيعهم"تحت مسميات التبني"لأسر جديدة في الولاياتالمتحدة وتزايد النشاط خصوصاً بعد موت اليكسي غيكو أربعة أعوام العام الماضي على يد"والدته الجديدة"ايرما بافليس التي رفضت الاعتراف بذنبها أمام محكمة في شيكاغو، وقاد النشاط المكثف الى كشف تفاصيل وصفتها مصادر النيابة العامة بأنها مخيفة. هذا جانب من المأساة، أما الجانب الآخر فيتضح من خلال المعطيات التي تتحدث عن"بيع"عشرات الآلاف من الأطفال لاستخدامهم في عمليات ترويج المخدرات وتصوير الأفلام الخلاعية، وبحسب تقرير أعدته منظمة"يونيسف"فقد سجل في عام 2004 وحده 64 ألف حادث اعتداء على قاصرين، ثلثهم اجبروا على تقديم خدمات جنسية، إما مباشرة وإما عبر تصوير أفلام خلاعية، وقالت مصادر روسية لپ"الحياة"ان الرقم اتخذ منحى تصاعدياً خلال العامين الأخيرين. والكارثة ان الأرقام التي أعلنتها مراكز متخصصة في موسكو تقول ان في روسيا وحدها نحو أربعة ملايين طفل مشرد يعيشون على السرقة والدعارة وترويج المخدرات. واعترفت يلينا تيوريوكانوفا المسؤولة في معهد المشكلات الاقتصادية الاجتماعية أن هناك نحو ستة ملايين آخرين مرشحين لهذا المصير، واتهمت السلطات بعدم إيلاء جهود كافية لحل هذه المعضلة، اذ يكفي انه في روسيا نحو 1500 ملجأ للأطفال"ظروفها أسوأ كثيراً من ظروف السجون". وأن قسماً كبيراً من الأطفال الذين يعيشون هذه الظروف راض عن حياته وهو يفضلها على حياة الملاجئ بحسب ما قاله كولا 12 سنة لپ"الحياة". وكولا يسكن في محطة قطارات وسط موسكو وهو لا يخفي انه يتعاطى المخدرات عبر"شم نوع معين من الأصماغ"وهي الوسيلة الأرخص أمام المعدمين من المدمنين. إضافة الى عمليات بيع الأطفال وتشغيلهم تشغل تجارة الأيدي العاملة الرخيصة عنصراً أساسياً ضمن نشاط المتاجرة بالبضائع الحية في روسيا ودول الجوار، واللافت ان روسيا تقف على رأس لائحة الدول المصدرة والمستوردة في الوقت نفسه لهذا النوع من البضائع، وفي حين تتزايد عمليات"تصدير الفتيات والاطفال"فان روسيا تستورد بالدرجة الأولى العمال الذين تتحول غالبيتهم الى"عبيد"يتم شرائهم وبيعهم داخل سوق العمل ضمن تسعيرات باتت معروفة للعاملين في هذا المجال، ويُجبر هؤلاء"العبيد"على العمل في منشآت البناء والمزارع ويقومون بأعمال الفلاحة والزراعة وغيرها مقابل تأمين مكان إقامتهم وتزويدهم بالطعام، ولا يحصل كثير من أبناء هذه الفئات على دخل مالي مقابل عملهم، وهذا سبب إطلاق تسمية"عبيد عمل"عليهم. وبحسب مراكز مختصة فان أعداد هؤلاء تزيد داخل روسيا على أربعة ملايين نسمة غالبيتهم الساحقة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الصين وكوريا الشمالية وفيتنام، وبينهم مهاجرون من جمهوريات سوفياتية سابقة مثل طاجكستان وتركمانستان. واظهر استطلاع أجراه مركز روسي لحقوق الإنسان في أوساط"المهاجرين ? العبيد"، انهم يتعرضون الى أنواع متعددة من الاضطهاد. وبسبب خوفهم من اللجوء الى الأجهزة المختصة تعيش غالبيتهم ظروفاً مهينة، ويبدأ مسلسل استعباد العمال بمصادرة جوازات سفرهم وفرض قيود مباشرة على حرية تنقلهم المحدودة أصلاً بسبب غياب التشريعات التي تحميهم، وقالت الاستطلاعات ان ربع العمال يعملون من دون أجر أو من دون أي ضمانات بأنهم سيحصلون عليه لاحقاً ونحو عشرين في المئة من أصحاب العمل يطالبون عمالهم بتسديد دين مالي تحت مسميات مختلفة ويجبرونهم على العمل لسنوات من دون مقابل تحت ضغط التهديد بتسليمهم الى الأجهزة الأمنية أو في بعض الحالات... القتل، واعترفت نحو ثلث الفتيات اللواتي شملهن الاستطلاع بأنهن تعرضن الى الاغتصاب اكثر من مرة وأجبرت غالبيتهن على ممارسة الجنس مع أصحاب العمل أو قريبين منهم بعدما قدمن كپ"هدية"في معظم الأحيان لليلة واحدة أو اكثر. وروى تيمور وهو قادم من طاجكستان انه كان شاهداً على حادث في موقع للبناء مات خلاله أحد العمال من طريق الخطأ، وذكر أصحاب العمل للشرطة انه كان ثملاً ومات بسبب عدم انتباهه، ولم يجر فتح تحقيق رسمي بالحادث. "فراشات الليل"... أوسع الصادرات الروسية انتشاراً! وعلى رغم كل ما يمكن ان يقال عن اتساع ظاهرة"التجارة بالبضائع الحية"وخطورتها فان العنصر الأهم منها التجارة بالفتيات الباحثات عن فرصة عمل، ولم يعد سراً منذ سنوات ان روسيا ومعها جمهوريات سوفياتية سابقة وخصوصا أوكرانيا ومولدافيا وازبكستان غدت المصادر الأساسية لپ"تصدير"فتيات تراوح أعمارهن بين 18 و25 سنة الى عدد كبير من بلدان العالم للعمل في مجال الدعارة، وبحسب معطيات المنظمة الدولية لشؤون المهاجرين فان نحو 50 ألف ناطقة بالروسية تدخل سنوياً هذه السوق المحاطة بالإثارة ظاهرياً لكنها مملوءة بالعنف والدماء في كثير من الأحيان، كما انه مصدر دخل هائل قدرته جهات مختصة بنحو عشرة بلايين دولار سنوياً، ما يضع تجارة"الرقيق الأبيض"في المرتبة الثالثة بعد السلاح والمخدرات. ومن الطبيعي ان تكون هياكل الجريمة المنظمة المعروفة باسم الپ"مافيات"تفرض سيطرة مطلقة على هذه السوق ويتعرض من يحاول اقتحام أسوارها الى عمليات انتقام وإبعاد قسرية وصلت في كثير من الأحيان الى التصفيات الجسدية. وبحسب تقارير مؤسسات تابعة للأمم المتحدة فان نحو نصف مليون شابة من الجمهوريات السوفياتية السابقة تسللت الى دول الاتحاد الاوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي للعمل في الملاهي الليلية كنادلات في المطاعم او راقصات في استعراضات التعري، وتتجه غالبيتهن الساحقة للعمل في مجال الدعارة لاحقاً، بحسب تعبير مسؤول في لجنة برلمانية روسية مختصة ببحث المشكلات الاجتماعية. وتنقسم"سوق النساء"في روسيا الى فرعين أحدهما داخلي يستقطب مئات الألوف من الفتيات من روسيا نفسها ومن الجمهوريات المجاورة. وبحسب معطيات أجهزة الأمن الروسية، ففي موسكو وحدها تعمل 150 ألفاً من"فراشات الليل"، 80 في المئة منهن من الوافدات على روسيا، وتشرف هياكل الجريمة المنظمة على نشاط الرقيق الأبيض في شكل صارم اذ تشير تقديرات أجهزة الأمن الى ان نحو 80 ألف فتاة في العاصمة الروسية يتم إجبارهن بطرق مختلفة على العمل في مجال الدعارة لحساب المافيا، ويصل ايراد الفتاة الواحدة يومياً الى اكثر من ألفي دولار تحصل هي على نسبة عشرة في المئة منه في احسن الأحوال، وهو ما يدفع العديدات للمغامرة بالعمل وحدهن من دون الغطاء الذي تقدمه المافيا ما يعرض الفتاة في احسن الأحوال الى الوقوع في أيدي رجال الشرطة الذين يقومون بدورهم باستغلال الفتيات بحسب تأكيدات المختصين الروس. واللافت في السوق الداخلي في روسيا تنوع الأسباب والخلفيات التي تدفع الفتيات الى العمل في هذا المجال، وإذا كان تدني الأحوال المعيشية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية تشكل العنصر الأساسي الذي يدفع الفتيات الى امتهان الدعارة كوسيلة سريعة وسهلة لضمان دخل مادي، فان ثمة فروقاً تظهر بين العاملات في مجال الدعارة في موسكو مثلاً وزميلاتهن في الأقاليم الأخرى، ودلت شهادات عدد من فتيات الليل الى ان العاصمة الروسية تستقطب الجزء الساعي الى تحقيق ثروة سهلة المنال من طريق العمل المباشر في النوادي الليلية أو حتى في زوايا الشوارع، في حين تخرج الى"الشارع"في مدينة كازان ذات الغالبية المسلمة الأم الوحيدة التي تعيل طفلاً او اكثر بمفردها او العاطلة عن العمل كلياً، أما في تومسك المدينة السيبيرية المعروفة بارتفاع فاحش للأسعار فان غالبية"فراشات الليل"من الطالبات في السنوات الأخيرة للدراسة. والمشكلة بحسب المختصين ان كل الدراسات التي أجريت أخيراً أظهرت توافر قطاع واسع من الفتيات المرشحات لدخول سوق العمل في هذا المجال على رغم مخاطره، وتصل أعداد هذا القطاع الى نحو ثلاثة ملايين فتاة تراوح أعمارهن بين 16 و28 سنة، قسم كبير منهن لم ينه دراسته ويصعب عليه إيجاد وظيفة براتب مقبول. والمثير ان دراسة قام بها مركز متخصص في مدينة كراسندار الروسية جاءت بنتائج وصفت بأنها مخيفة، فقد أجرى المركز استطلاعاً في أوساط تلميذات المراحل المدرسية الأخيرة وطالبات الجامعات دلت نتائجه الى ان ثلثي الفتيات مستعدات للسفر الى خارج روسيا والعمل في اي مجال فور انتهاء دراستهن. واللافت ان صاحبات هذا الرأي أبدين حماسة كبيرة للسفر حتى لو كان العمل المعروض يقيد حريتهن او يترك آثاراً سلبية من النواحي الصحية عليهن. وتشير الدراسة الى انه في هذه المنطقة وحدها من روسيا يوجد نحو 800 ألف فتاة مستعدة للموافقة على أي عقد عمل في الخارج حتى لو كان في مجال الدعارة. وقال أحد الخبراء القائمين على الدراسة لپ"الحياة"انه واثق من ان الرقم الحقيقي لمثل هؤلاء الفتيات في كل روسيا يفوق البضعة ملايين. طريق الحرير العظيم الفرع الثاني لتجارة"بنات الليل"هو الأعظم والأوسع انتشاراً، لأنه مرتبط بتصدير"الفراشات"من روسيا والجمهوريات السوفياتية عبر الأراضي الروسية الى كل انحاء العالم تقريباً. وبحسب تقديرات مراكز الخدمة الاجتماعية فإن نصف السوق الآسيوية في مجال الخدمات الجنسية تتم تغطيتها من روسيا ودول الرابطة المستقلة، وفي بلدان الشرق الأوسط تلقى"الروسيات"وهو الاسم الذي يطلق عادة على كل الفتيات العاملات في هذا المجال من الناطقات بالروسية بغض النظر عن أصولهن الأوكرانية او المولدافية او غيرها، إقبالاً كبيراً. وذكر مصدر في الأردن مثلاً ان السنوات الاخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في عدد النوادي الليلية الذي وصل الى زهاء ألفي نادي تعمل في كل منها بين 10 و15 فتاة من روسيا ودول الرابطة، والوضع نفسه ينطبق على لبنان وسورية ومصر التي تشكل أيضاً معبراً أساسياً لدخول"الرقيق الأبيض"الى اسرائيل. خلال السنوات الأخيرة كشِف نشاط عدد من شبكات الجريمة المنظمة التي تخصصت في هذا الشأن، وكمثال، ألقت السلطات الأوكرانية أخيراً القبض على رجل أعمال إسرائيلي أنشأ شبكة لتهريب الفتيات الى إسرائيل للعمل في مجال الدعارة. وأظهرت التحقيقات ان الرجل الذي غطى نشاطه بعمليات تجارية في مجال العقارات"باع"خلال اشهر 35 فتاة تم تهريبهن عبر الحدود المصرية - الإسرائيلية، وهذه ثاني شبكة خلال الأشهر الأخيرة يتم الكشف عنها. وتحفل سجلات الأجهزة الأمنية الروسية بملفات مماثلة. في تركيا ... كل"الروسيات"ناتاشا تعد تركيا إحدى الوجهات الأساسية لپ"صادرات"روسيا ودول الرابطة من"فراشات الليل". وتشير مصادر روسية الى صعوبة تحديد أرقام حتى تقريبية لإعداد الفتيات اللواتي تم"بيعهن"الى دور البغاء في تركيا، لكن مؤسسات متخصصة قدرت أرباح الشبكات العاملة في هذا المجال بنحو 3.6 بليون دولار في العام الماضي وحده، وبحسب معطيات المنظمة التركية لمكافحة الهجرة غير الشرعية فإن عشرات الآلاف من الفتيات يعملن في شكل دائم هناك، ويجرى استبدال الفتيات في شكل متواصل لتحافظ"البضاعة"على تحقيق المقدار نفسه من المكاسب، من خلال المحافظة على معدل عمري للفتيات يتراوح بين 18 و24 سنة، والمشكلة في تركيا حيث يطلق السكان على الناطقات بالروسية اسم ناتاشا وهو من الأسماء الروسية الشائعة، ان غالبية الفتيات يتعرضن للسجن ويكرهن على خدمة الزبائن في شكل متواصل بحسب ما أشارت فتيات نجحن في الفرار من"الجحيم". ويصل إيراد كل فتاة الى نحو 150 دولاراً تذهب كلها في الغالب الى أصحاب العمل. وأعلنت السلطات الأوكرانية أخيراً عن"إنقاذ"خمس فتيات قضين عشرة اشهر في هذه الظروف، ودفعت هذه الأحوال السلطات التركية، بالتعاون مع الدول"المصدرة"، الى الشروع بتنفيذ برامج واسعة النطاق لمحاربة الظاهرة، وصورت إحدى المحطات التلفزيونية فيلماً دعائياً صغيراً ظهر فيه أطفال من مولدافيا يتحدثون بتركية مكسرة بعبارة: أعيدوا لنا ماما! وراهنت السلطات على تعاون زبائن الفتيات بتأثير الفيلم الدعائي. وقالت فتاة عادت أخيراً من تركيا الى موسكو أنها تعرضت لعقوبات قاسية لأنها رفضت الامتثال للأوامر منها قيام المسؤول عنها بصب زيت حار على قدميها، ولفتت الى ان أحد الزبائن تطوع لمساعدتها بعدما سمع قصتها واتصل برقم مجاني أعلنت عنه السلطات. وبحسب جهات متخصصة في روسيا ان هذه البرامج ساعدت بالفعل على إنقاذ عدد كبير من الفتيات، ففي العام الماضي وحده تلقت الأجهزة الأمنية اتصالات مكنتها من إنقاذ 52 فتاة أجبرن على ممارسة الجنس لشهور. وتشير بعض من أفلتن من الظروف الى ان الهروب من الأسر ليس ممكناً في معظم الأحوال لأن من تمكنّ من الإفلات تعرضن للسجن لمدة شهور قبل ان تتدخل سفارات دولهن او قبل أن يجرى التحقق من شخصياتهن. وتشير اللا وعمرها 17 سنة الى انها قضت في السجن مدة شهرين وتعرفت هناك الى فتيات تمكنّ بعد دخول السجن من كتابة رسائل الى ذويهن للمرة الأولى منذ سفرهن روين فيها"قصصاً مأسوية". المرض أنقذ ماشا ... وكاتيا ضحية زوج صديقتها ماشا 23سنة أنهت دراستها في مدينة تشيبوكساري على حوض الفولغا، وفشلت في إيجاد عمل بدخل جيد فاتجهت الى صفحات الإعلان في الصحف، الإعلان الذي لفت نظرها تحدث عن فرصة عمل في إحدى دول الشرق الأوسط كعاملة تنظيفات بدخل شهري قدره 2000 دولار. واتجهت الى موسكو حيث مقر الشركة المعلنة، وهناك أخبرت ان كل الترتيبات من اجل الحصول على التأشيرة اللازمة والسفر سيتم تقديمها وسيترتب عليها العمل لمدة شهرين لحساب الشركة المضيفة ثم تبدأ العمل لحسابها الشخصي، تقول ماشا ان أول إجراء واجهته هو سحب جواز سفر قيرغيزي سافرت بموجبه ثم تعرضت للضرب والاغتصاب لمدة اسبوع لاجبارها على العمل، وسمعت قصصاً مروعة من زميلاتها حول الوسائل العقابية التي تعرضن لها عند امتناعهن. وتقول انها كانت تحلم بأن تصبح يوماً فتاة موديل لكن"الأقدار"قادتها الى هناك، حيث كانت تخدم بين خمسة الى ستة زبائن يومياً على مدار عام ونصف عام، ويتراوح معدل الدخل الصافي الذي كانت تدره على صاحب العمل بنحو 400 دولار يومياً حصلت في النتيجة على عشرها فقط، وترى ماشا انها محظوظة لأنها بسبب إصابتها بمرض تمكنت من العودة الى بلدها من دون صعوبات، وتقول ان هناك تفاصيل كثيرة"لا تريد ان تتذكرها، ولن ترويها لأحد طوال حياتها". وقالت ماشا ان مجموعتها وصلت الى العمل في تلك الدولة من طريق شخص اسمه ريشا ألقي القبض عليه لاحقاً وحكم بالسجن لمدة خمس سنوات ويصل عدد المجموعة الى نحو أربعين فتاة بينهن 11 قاصرات. وأضافت انها وجدت في استقبالها لدى وصولها الى هناك فتاتين كلفتا الإشراف على عملها هما نيليا وكارينا اللتان أمضتا فترة طويلة وحظيتا بثقة أصحاب العمل. وكشفت ماشا التي طلبت تغيير اسمها خوفاً من تعرضها للانتقام ان إحدى الشبكات التي ما زالت ناشطة في مدينتها يديرها شاب لبناني بالتعاون مع محليين وهم يقومون باختيار الفتيات وتجهيز وثائق سفرهن وپ"بيعهن"الى مراكز الاستقبال في بلدان الشرق الأوسط. كاتيا من روستوف ذكرت ان زوج احدى صديقاتها وهو يوغوسلافي عرض عليها العمل في فرنسا حيث قال ان لديه صديقاً يمتلك سوبر ماركت، وأخذ على عاتقه تجهيز كل الوثائق والأوراق الثبوتية، أما بقية القصة فلا تختلف كثيراً عن قصة ماشا.