ليس صدفة وجود صفات مشتركة بين الغلاة المتطرفين، منذ أيام"الخوارج"على المسلمين المألوف تاريخهم لنا، ومنذ من سبقوهم ببضعة قرون من مجموعات متطرفة باسم اليهودية، وبعدها باسم المسيحية، ومنذ"البولشوفيك"الملحدين والنازيين والفاشستيين المسيحيين، والفئات الإرعابية الضالة التي تسمي نفسها بأسماء متعددة باسم الاسلام. فبينها جميعها على اختلاف مشاربها واهدافها، صفات مشتركة عدة، من أهمها بالطبع"الإرعاب"او ما صار يسمى، ربما خطأً باللغة العربية ب"الإرهاب". وحالياً... فموضوع الإرهاب أوضح من أن يوضح. وتشترك أيضاً جميع هذه الفئات وعلى مر التاريخ، في أنها لا تعترف بالعلم المجرد ولا بالأدب ولا بالفن للاضافة الى الحضارة الانسانية او للإبداع، وانما فقط كأداة للدعاية ونشر المصطلحات المرغوبة، وتسخير الأدب والفن والعلم المادي كأدوات فقط للوصول للهدف، وهو دائماً ومهما اكتسى بلباس آخر، تولي"حكم"المجتمع المُنْتَمى إليه، ومن بعده العالم ان كُتب لها النجاح في تولي حكم مجتمع، إذ يمكن تسخيره لتكوين قوة عسكرية، كما حاول زعيم البولشفيك لينين، وخلفاؤه، وهتلر، في القرن الماضي تحقيقه. وكل ما أرجح وجوده من العوامل المشتركة بين"الارعابيين"الغلاة على اختلاف وسائلهم لتولي السلطة، قرأته في كتاب صغير لا يتجاوز عدد صفحاته مئة وسبعين صفحة، كتبه مثقف اميركي اسمه إريك هوفر ** عن تفسير ما هو مشترك بين الدعوات المتطرفة، التي تحقق نجاحاً في اجتذاب اعداد ضخمة من الجماهير المكونة من الأعضاء والمتعاطفين لأسباب مختلفة. وما يلفت النظر الى أهمية الكتاب، ان مؤلفه أعده في اواخر الأربعينات، ونشرت أول طبعة منه في عام 1951. ومما هو مشترك بين جميع فئات نشر الرعب في نفوس المدنيين المسالمين، ليس القتل والتمثيل بأجساد البشر فحسب، وانما محاولة تسخير فنون المسرح من أناشيد وتصوير. وحتى أفرادهم الذين عُرفوا بين أهلهم الذين نشأوا بينهم بأنهم، كما كانوا يعرفونهم، جبلوا على الرحمة والإشفاق على كل ذي كبد، حتى لو كان حيواناً ضالاً، فإن أداء الأدوار المسرحية وغناء الأناشيد الحماسية وكاميرات التصوير تحولهم - ولو موقتاً - الى وحوش ضارية للتمثيل بأجساد فرائسهم، لا يختلفون في شيء عن الضباع المسعورة وأعتى عتاة المجرمين المحترفين. وقد عرف"لينين"ومن بعده"هتلر"و"موسوليني"اهمية المسرح والتصوير. وفي الوقت الحاضر"أسامة بن لادن"و"أيمن الظواهري"و"أبو مصعب الزرقاوي"وبقية اتباعهم. وليس أدل على أهمية تصوير اللقطات المسرحية، على سبيل المثال، بالنسبة الى من بدأوا ب"غزوة نيويورك"ثم مكةالمكرمة والمدينة المنورة والرياض، من"الفيلم"الذي تم نشره في اوائل نيسان أبريل 2006 عن الاعتداء على القنصلية الأميركية في جدة. بالطبع كانت غزوة فاشلة، ولكن كانت لدى المنفذين"أولويات"وفقاً لتعليمات القادة، من ان القتل بما في ذلك"الانتحار"، او ما يسميه القادة المسيّسون بفئاتهم المختلفة ب"الاستشهاد"، لا بد من تصويره بأقصى درجات الاتقان المسرحي الممكن. ومن الواضح لكل ذي عقل يميز به الحق من الباطل، حتى لو كان غير مسلم مطلع على أساسيات الإسلام، أن"قتل النفس"ليس أمراً مباحاً في الإسلام. والأرجح لو كان"سيد قطب"الذي تعلم في الغرب مصطلحات"الصحوة"و"التغريب"و"العلمانيين"و"الليبراليين"و"المحافظين"، وغيرها مما قد لا يعرف بعض مريديه انها مصطلحات اتت من ظروف مسيحية تاريخية غربية بحتة، لو كان حياً لخالف مفتي السعودية رئيس هيئة كبار علمائها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله، وسمى أي سيد قطب قتل النفس"استشهاداً". والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي. ** The True Believer... Thoughts On The Nature Of Mass Movements By Eric Hoffer, Harper Collins, New york, 1951.