في جميع الاماكن والاقطار، تكون ردة الفعل الاولى بعد كل تفجير أو"غزوة"من اعمال الترعيب والترويع، لماذا؟ من التسطيح والافراط في التفاؤل القول بأن هذه الفئات التكفيرية ما هي الا مجموعات من الشباب المحبط التي لا تجد وسيلة أخرى غير"قتل النفس"للتعبير عن رد فعلها العفوي تجاه ما يتعرض له العرب والمسلمون من ظلم. ان هذه المقولة هي السلاح الذي يوظفه القادة الذين لن يقتلوا انفسهم عامدين، أي ان رفع "قميص عثمان"هذا، الذي يظهر انه لا يبلى ولن يزول ما دام يوجد من يوظف الاسلام لتحقيق مآرب سياسية، هو نفسه الذي يستخدمه كل من يبحث عن"السلطة"باسم الإسلام سواءً أكان من اكثر احزاب"الاسلام السياسي"اعتدالاً كالإخوان المسلمين، أو اكثرهم غلواً واستباحة لدماء الابرياء من مسلمين فقط كقدماء الخوارج، أو من استباحوا دماء جميع البشر كقادة"القاعدة"وما تفرع عنها من خلايا في العراق وبقية الدول العربية واوروبا بل العالم اجمع. وقد لا يجهل احد ان سيد قطب وبدرجة أقل شقيقه محمد، وشيخ قادة القاعدة الدكتورعبدالله عزام - غفرالله له - ومفتيهم حالياً أيمن الظواهري، درسوا في مدارس"الاخوان المسلمين"الايديولوجية، وشربوا من مائها، وأكلوا من مرعاها. والدكتور عبدالله عزام اختار"الجهاد"في أفغانستان بدلاً من فلسطين، مع انه في الاصل فلسطيني. ويعود السبب الى أن ايديولوجيات الاسلام السياسي كالاخوان المسلمين، وهو الذي كان احد زعمائهم في الأردنوفلسطين، لا تعترف بالوطن بحد ذاته وانما هدفها حكم الامة. وليس سراً ان قادة حكومة طالبان وحلفاءها كانوا يتوهمون انهم سينشأون يوماً"خلافة اسلامية شاملة"على طراز"حكومة طالبان"يكون"امير المؤمنين"الأول فيها أسامة بن لادن. لقد أتقنت أحزاب الاسلام السياسي الخلط بين الاسلام الذي تدين به غالبية المسلمين بالفطرة ومن دون تكلف وبين الاسلام"المنتقى"الذي يقولون لنا انه علينا ان نفوق من نومنا لنتعلمه. وبما ان لكل شيء جديد مصطلحاته، فيصعب عليهم أدلجتنا، قبل ان يغرسوا في أذهان شبابنا بل أطفالنا مصطلحاتهم حتى لو اضطروا الى اقتباسها من تراث الغرب الذي يدعون مقته. فمن المعروف ان مصطلحات"العلمانية"و"الصحوة"و"الليبرالية"غربية بحته لم يعرفها المسلمون في عصورهم الذهبية. غير ان"الاسلام السياسي"وأدوات المتطرفين من ابنائه واحفاده ليس محصوراً في السنة فقط. أليس حزب الله الشيعي صاحب السبق في استخدام اداة"قتل النفس"لأسباب سياسية؟ بالطبع الاسباب قد تختلف لدفع صغار السن المحبطين من جميع المذاهب الاسلامية الى قتل انفسهم وإيهامهم بدخول جنات عدن. غير أن الاداة تبقى واحدة، ما جعل من الصعب إقناع بقية خلق الله ان الارهاب عمل سياسي يراد به تحقيق اهداف سياسية لا عملاً دينياً يراد به خدمة الاسلام. نعود الى السؤال الاهم، لماذا؟ ان إيجاد التبريرات لترويع الأبرياء وقتل الاطفال والنساء بالقول ان هذه الاعمال خطأ نبرأ الى الله من منفذيها من دون حتى ذكر أسماء قادتهم صراحة والتنديد بهم بوضوح وباستمرار وبإصرار، هي ضبابية متعمد إيجَادها حتى يرفعُ أقمصة ضحاياها الملطخة بالدماء قادة الاحزاب والمتعاطفين معهم للقول ان ما دفع هؤلاء الشباب لهذه الاعمال عدم وجود"حكومات إسلامية"يقودها قادة"الاسلام السياسي"وما يقع على"الامة"من ظلم، اذ إن قادة الاسلام السياسي لا يعترفون بالأوطان ويرفعون شعار"الأمة"لكسب عطف المسلمين كافة. مع انهم يعرفون ان العرب هم مادة الاسلام وانه نزل بلغتهم ولن تكون للمسلمين اهمية من دون العرب. ولا يقبل انسان سوى تبرير أعمال"الارعاب"بأي مبرر مهما كانت درجة ما يتعرض له اخوته في الدين أو الوطن من ظلم واضطهاد. وليس المسلمون وحدهم بين بقية البشر الذين ظلمهم الغرب والاستعمار الغربي والشرقي وما بينهما من عصابات"شتيرن"الارهابية. غيران قادة الاحزاب الذين يكسون شعاراتهم بالاسلام، هم وحدهم، وللأسف الشديد، الذين اما ان يدينوا الارهاب على استحياء أو ان يدينوه في اول بيانات استنكارهم ثم يجدون له التبريرات في آخرها. ومن المعروف منذ الازل ان الانسان الناضج المتنور، أياً كانت درجة ايمانه برب العالمين، يصعب تجنيده لتحقيق غرض لا يعرف عنه حقيقة تفاصيل الخطوات الضرورية لتنفيذ الشعارات المعلنة على أرض الواقع. اما صغار السن والعقل فيسهل تجنيدهم خصوصاً حينما يأتيهم من يقنعهم ان قتل أنفسهم سينقلهم حالاً الى الجنة وإلى الحور العين كما سمعناه في أناشيد القاعدة بالصوت ورأيناه بالصورة. والشباب المحبط لأسباب ذاتية كان أهم المجموعات التي سعى هتلر ولينين من قبله لتجنيدهم ودفعهم الى الموت باختيارهم. وبالنسبة الى القادة المُوجِهين فحتماً لهم استراتيجية ولهم تكتيك يتلخصان في وهمهم ان الارهاب سيمكّنهم من تولي السلطة في بلد واحد في أسوأ الظروف وفي بلدان عدة في أحسنها. ومع ان هذا يبدو لكل انسان"وهماً"يستحيل تحقيقه، فإن استحالة التحقيق لا يعني أنهم، أي القادة، يسيرون من دون هدف ومن دون استراتيجية محكمة قد يكون أهم عناصرها الاعتماد على الاعتذاريين للإرهاب من جميع الفئات المؤدلجة سواء كانت يسارية أو من الناطقين باسم الاحزاب"الإسلامية"من جميع اهالي القبلة. اكاديمي سعودي.