تنطوي أعمال محمد عمران على مقترحات حكائية، تغذيها مخيّلة بصرية محتدمة، في استعادة أساطير نائمة، وشخوص وكائنات مشوهة، حائرة بين آدميتها وبهيميتها، أو انها في أحسن الأحوال، تعيش مرحلة مخاض عسير للتحرر من لعنة أبدية أصابتها، وجعلت منها أشكالاً أقرب إلى المسوخ. ويزاوج هذا النحات السوري الشاب، في معرضه الجديد المقام هذه الأيام في"صالة باليت"في دمشق، بين النحت من جهة، والرسم بالأحبار على الورق من جهة ثانية، وكأن ما استعصى عليه في نصبه النحتية، يجد تعبيراته المثلى في جدارياته المرسومة بالأبيض والأسود. وتتلمس الأشكال النحتية الصغيرة المصنوعة من البرونز، عالماً حلمياً مفتقداً، يبدو كما لو أنه ترجيع لذاكرة طفولية منهوبة، وذات منشأ حكائي، الأمر الذي يفسح مجالاً حيوياً للارتجال من طريق التذكر واللمسات الخاصة التي تضفي بعداً أسطورياً وميثولوجياً للكتلة العائمة في الفراغ، وهو ما يمنح المتلقي تصورات إضافية لمصائر هذه الكائنات في تحولاتها المستمرة وبحثها عن ملاذ آمن، تلجأ إليه على رغم أن مظهرها الخارجي يوحي بوحشيتها وصراخها الأبدي. فالكائن شبه الآدمي، ينظر بريبة واستهجان إلى أسلافه بأشكالهم الحيوانية، في محاولة صريحة لمواجهة ما كان عليه، وربما في ما سيؤول إليه في دورة حياتية مضادة، تحت ضغط تبخّر المشاعر الإنسانية في عالم قاسٍ ومتوحش وتدميري. وفي المنحوتات الفردية تتكوم آثام الكائن وتعبيراته الأساسية في الوجه، كما لو انها مرآة الداخل، وهي تسرّب عذابات متراكمة وأحزاناً أبدية، واستغاثات تكاد تنطق"الحجر"لفرط فطريتها. في لوحات محمد عمران نجد مناخات تعبيرية مختلفة عما أسسه في النحت، إذ ينشغل بتركيب معنى الدائرة ودلالاتها الحسية والذهنية، بإحالات رمزية تنفتح على مناطق حلمية، تقوم على البراءة والفردانية، إلا في حالات نادرة، وكأنما الحلم البشري هو مشروع فردي في الأساس. فالدائرة في معظم تجلياتها محاولة لمقاومة الجاذبية، وسعي محموم للطيران، خصوصاً في تكرار عنصر الدراجة الهوائية، كأول محاولة للطيران عكس مرمى الجاذبية الأرضية، والسفر إلى المجهول. وفي مقترح آخر، تنبت للرجل أجنحة، ويطير إلى الأعلى بكامل عريه وحواسه. وفي رؤية ثالثة، تتحول ثنائية الرجل والمرأة إلى دائرة سوداء محتدمة بالصراع في فضاء أبيض، فيما تتكور دائرة أخرى على شكل كمان بمعزوفة سرية، قبل أن تتبدل في تخطيط آخر إلى سلّم لصعود الرغبات. كائنات محمد عمران شهوانية وطليقة، تحلّق عالياً في فضاءات ومسارب بعيدة، من دون أن تنقصها اللمسة المبتكرة والدهشة البصرية، والروحانية الغائمة، ذلك أنها لا تنتهي إلى يقين، وهو ما يجعل هذا النحات والتشكيلي اللافت، يقفز خارج مقترحات المحترف السوري، بما يشبه المفاجأة المباغتة.