يتابع ملتقى النحت الوطني حواراً على الحجر التدمري، لكن بين جيلين نحتيين مختلفين هذه المرة، مستكملاً ما بدأ في ملتقى «دمشق الدولي للنحت» الأول على أرض مدينة المعارض القديمة في دمشق. ويقول الملتقى بحسب ما يصرح القائمون عليه (محافظة دمشق كداعم رئيس، مؤسسة الفنان مصطفى علي للفنون كمشرف إداري وفني): «اكتسب نحاتونا الشباب خبرة ومعرفة ثرية، عبر عملهم كمساعدين للنحاتين العالميين الذين حلوا على دمشق طيلة شهر كامل في الملتقى الدولي». التظاهرة المستمرة حتى الخامس عشر من الشهر الجاري هي احد النشاطات النحتية في سورية التي تلقى رواجاً لا يحدد مستوى فنيتها بدقة، بالنظر إلى أن تطور وضع النحت في سورية على مستوى العرض والتواجد لا يزال في بداية مراحله، فلا تخلو الإنتاجات النحتية الفردية من استنساخ لما قدم سابقاً، أو ما يقدم حالياً. «شهية النحت وتجربة معالجة الحجر»، لم تكن كما تمني لها في ملتقى الحوار بين الجيلين، فالنحاتون الشباب قدموا تجاربهم الفردية متباينين في مستوياتهم، ويبقى استقطاب النحاتين الشباب ومن يحدد فرص مشاركتهم رهن القائمين على هذه الملتقيات. تشخص النحاتة الشابة نور الخوري على كتلتها الحجرية الخاصة جسد امرأة، على رغم اعترافها أن اختصاصها الفني يقتصر على «التصوير»، وعدم خوضها تجارب نحتية سابقة سوى في العمل على مواد طرية كالصلصال. جماليات النحت على الحجر لم تخضها الخوري بقسوة، بل اكتفت بمشاهدة «الحجار» وهو يتفنن في صقل أطراف «عملها» مبررة «المشكلة أني أصبت». نحاتون مخضرمون وصل عددهم إلى 13 مشاركاً، يعملون على أعمالهم النحتية الخاصة ضمن مجموعة المشاركين الثلاثين في هذا الملتقى، محاولين إنشاء فضاء فني، بينما يقتصر الحوار بين الجيلين على «أسئلة تقنية حول كيفية التعامل مع الحجر»، كما يقول النحات عادل خضر «الأعمال تتشكل في شكل مستقل، وبهذا فإن جهد النحاتين لا يتقاطع فعلياً إلا باستشارة نحات شاب آخر مخضرم عن الطريقة المثلى للتعامل مع أجزاء المادة الحجرية»، ويؤكد خضر ان «الحالة الإبداعية عند بعض الفنانين الشباب تقدم لنا تفاصيل فنية مهمة. نتعلم منهم أيضاً». ترى النحاتة نسرين صالح وهي خريجة معهد الفنون التطبيقية في دمشق أهمية كبرى في هذا النوع من الملتقيات كونه يفسح مجالاً للاطلاع على المستوى الثقافي والفني للفنانين المشاركين، وتضيف: «كون أعمالنا ستوضع في نقاط واضحة من العاصمة. فهذا وحده تقدير للجمال الذي ينتج هنا»، وتطمح صالح إلى استمرارها في تلقي الدعوات للمشاركة في ملتقيات عربية وعالمية «ينمي هذا وحده مقدرتي على التعامل وصلابة الحجر، ولن ينفعني أي إرشاد فني آخر أتلقاه وأنا قابعة في مشغلي». ظاهرة «الحجارين» وزيادة الاعتماد عليهم في الملتقيات النحتية تطورت أخيراً لتصبح مأخذاً يدني من فنية العمل، ويطرح تساؤلاً حول «صدق المنحوتة، وعرضها لجهد صانعها جمالياً». الحال سابقاً لم تكن هكذا كما يقول النحات السوري عيسى ديب، وهو ليس من المشاركين في الملتقى. ففيما اكتفى سابقاً بالعمل مساعداً لكل نحات و «حجار» للملتقى يشرف على قص الأحجار الكبيرة، يظهر اليوم دور «الحجار»، وكأنه المنفذ الفعلي للأعمال. وبالرجوع زمنياً إلى ملتقى النحت السوري الأول عام 1997 في دمشق «تحولت الملتقيات إلى ورشة نحت يتزعمها رئيس عمل أو متعهد»، ويرى ديب أن الأذية «تتضاعف عندما يؤخذ بعض من هؤلاء النحاتين ليمثلوا سورية فنياً خارج حدود الوطن»، متابعاً: «يزداد التأكيد على أن هذا هو مستوى النحت في سورية عندما تتكرر أسماء بعض المشاركين في شكل مستمر». ظاهرة الملتقيات النحتية وما تنتجه من أعمال فنية «تستدرك نقصاً بصرياً لم يألفه سكان المدن العربية، كونها تطرح في عنصرها الجمالي العام ثقافة بصرية وتساؤلات راقية بين الناس» يقول ديب، معترفاً بما تمنحه الملتقيات النحتية لمواهب الفنانين، من صقل، خصوصاً أن غالبية النحاتين السوريين «لا تملك مشاغل مناسبة للنحت على مادة الحجر، ما توفره الملتقيات بدورها». ديب لا يعتبر أن كل المشاركين في الملتقيات النحتية يعتمدون طرقاً غير سليمة في تنفيذ أعمالهم إلا أنه يلحظ «وجود بعض المسيئين في ميدان الملتقيات، ما لا يسمح للفنانين الجيدين بالظهور والقيام بدورهم وحقهم في تقديم نتاجهم»، تدخل آلة «الحجار» ليس عيباً في أي منحوتة كما هو معلوم، لكن «توفير الراحة القصوى للنحات أصبحت موضة لم يألفها النحاتون القدامى»، بحسب قول ديب. «غبار الحجر يضر مع تقدم عمر النحات»، يقول النحات عيسى سلامة مبتعداً عن سحابة صغيرة بيضاء أحدثها عمله الدقيق على منحوتته شبه المنتهية، يأخذ زاوية بعيدة مغمضاً عينيه المحمرتين، سلامة الذي تعامل مع أحجار متنوعة «كلسية، بازلتية، صوانية» يهزأ من سؤالنا له عن آخر عملية مشابهة قام بها مع حجر بهذه الضخامة، قائلاً: «أمضيت عمري أنحت حجارة بيئتي الريفية». ينفذ سلامة عمله بسرعة ومهارة ليضمه إلى عملين آخرين «نافذة الغروب، طائر الفينيق»، وضعا في مدينة دمشق منذ أعوام، فهل يقرأ المارة جهده بسلاسة تضاهي سرعة آلة «الحجار» على المنحوتة؟