مع مباشرة العرض الأول لفيلم"ميونيخ"في الصالات الأميركية والاسرائيلية في وقت واحد، لا تبدي اسرائيل الرسمية ارتياحها من الفيلم ومن اسلوب مخرجه الهوليوودي الشهير ستيفان سبيلبيرغ، لكنها تتحفظ عن الهجوم عليه خشية أن يؤدي الهجوم الغريزي على الفيلم الى زيادة في مبيعاته وهو ما حصل بعيد انتقادها لفيلم"آلام المسيح"للمخرج ميل غيبسون الذي بدا في نظرها كأنه يحمّل اليهود مسؤولية عذاب يسوع الناصري وهي مفاهيم تاريخية ارتبطت بنشوء الفكر العنصري في أوروبا الكنسية. المخرج سبيلبيرغ الذي وصفه النقاد مراراً في الصحافة الرصينة بالذي تأجرح بين السطحية والعمق طيلة أربعين عاماً، بين الأفلام الأميركية العادية المسلية وبين الطابع التاريخي ذي الدلالات المؤثرة، يتوجه الى القضية الفلسطينية مثيراً عاصفة بعض الأطر اليمينية في العالم اليهودي بعد أن كانت صفقت له طويلا عام 1993 على فيلمه"قائمة شنايدر"حول الكارثة النازية الذي فاز بسبع جوائز أوسكار، والفيلم يحكي قصة رجل الأعمال أوسكار شنايدر الذي أنقد كثيرين من اليهود في الحقبة النازية وتم تصويره بالأبيض والأسود باستثناء فستان لطفلة صغيرة ظهر باللون الأحمر مستثيراً عواطف المشاهدين. وكان الفيلم واجه إنتقادات في بعض أوساط الثقافة الأوروبية في حينه وسمت سبيلبيرغ بتحوير التفاصيل واحتكار الحقيقة لكنه تبرع بأرباح الفيلم البالغة مئة مليون دولار للمؤسسات اليهودية. تدور أحداث فيلمه الجديد"ميونيخ"الذي يلعب أدوار البطولة فيه الممثل دانييل كرايغ وأيريك بانا وأييليت زورار حول عملية ميونيخ التي نفذها فلسطينيون من تنظيم"أيلول الأسود"عام 1972 قتل فيها أحد عشر رياضياً إسرائيلياً في الاستاد الأولومبي في مدينة ميونيخ الالمانية، تلك الحادثة التي جعلت الأعلام الاولمبية تنكس وتعلق المباريات وسط احتجاج عالمي ومأزق ديبلوماسي صب في مصلحة اسرائيل. وكعادة سبيلبيرغ يقتحم المغامرة السينمائية من دون تردد أو وجل، فهو يرسم دائرة الانتقام التي وسعتها سياسة رئيسة وزراء اسرائيل آنذاك غولدا مئير على الأرض اللبنانية وأرجاء واسعة من العالم ضد القيادات الفلسطينية، ومن هنا يأتي الموقف الاسرائيلي المعارض للفيلم الذي يبدو وكأنه يتهم اسرائيل بانها انتهجت سياسة العين بالعين عوض تقديم الجناة الى محاكمة دولية، ويرى بعض نقاد السينما في الصحافة العبرية أن سبيلبيرغ يقدم في هذا الفيلم مشاهد تجيز التعاطف مع العنف الفلسطيني ضد الابرياء، ويرى آخرون أن فيلماً هوليوودياً إضافياً لن يغير شيئاً في ما هي الأمور عليه من ركود وفاجعية على خطوط التماس، ويرى المراقبون أن الفيلم سيفوز بالأوسكار عام 2006 نظراً الى عدم وجود فيلم مرشح آخر بحجمه وموازناته وقدراته الفنية العالية. أما سبيلبيرغ فبدا متفائلا في حديثه الى مجلة"التايم"الاميركية معتبراً هذا الفيلم"صلاة للسلام"وأنه لا يوجد فيلم أو كتاب أو عمل فني يمكنه اليوم ايجاد حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي لكن من المجدي أن نحاول... سبيلبيرغ الذي يعتزم الوصول الى اسرائيل وفلسطين قريباً في نطاق علاقات عامة لترويج فيلمه سيحمل معه مئات الكاميرات اليدوية كهدية للاطفال الفلسطينيين والاسرائيليين ليتسنى لهم تصوير واقعهم اليومي وسيقوم بعرض ما صوره كل جانب للجانب الاخر كي يثبت أن لا فوارق تفصل بين طرفي النزاع. ولد ستيفان سبيلبيرغ عام 1946 لعائلة يهودية في الولاياتالمتحدة وظهرت ميوله السينمائية في جيل مبكر، عرض فيلمه"أمبلين"في العشرين من عمره في مهرجان سينمائي في أطلنطا أثار اهتمام لجنة التحكيم فتلقى عرضاً تلفزيونياً من شركة"يونيفيرسال"الأمر الذي مهد أمامه الطريق لأن يلج عالم الفن السابع من أوسع ابوابه، أنجز فيلمه الطويل الأول"شوغرلاند اكسبرس"عام 1974 وكان فيلم جريمة ومطاردة لعبت بطولته الممثلة غولدي هول، عام 1975 أخرج فيلم"القواطع"الذي جنى ارباحاً عالمية قدرت بپ470 مليون دولار وضعت المخرج الشاب في مقدمة الأسماء السينمائية الشهيرة في أميركا، هو المخرج الذي يتذكر كثيرون في العالم أعماله"لصوص الصندوق الضائع"1977 وفيلم"إي.تي"عام 1981 الذي أثار ضجة رقابية في عهد الرئيس رونالد ريغان ويعتبره البعض مؤسس الغرائبية الحديثة في السينما الأميركية. وفي عام 1997 أخرج فيلم"أمستاد"الذي يحكي عن تمرد السود الأفرو - أميركيين على سفينة للزنوج وهي تقلهم من القارة السوداء الى العالم الجديد وتلاه"انقاذ العريف ريان"1998 حول الجنود الاميركيين في الحرب العالمية الثانية.