فيما الفنانة سعاد نصر ترقد منذ أشهر في غيبوبة في أحد مستشفيات مصر الجديدة بعد جرعة تخدير زائدة أعطيت لها تمهيداً لاجراء عملية شفط دهون، أكدت دراسة أجريت أخيراً في القاهرة، ونشرتها وكالات الأنباء، أن أغاني الفيديو كليب تنعش صناعة التجميل في الوطن العربي: وجه نانسي عجرم، وقوام إليسا، وجفون أنغام وعيون هيفا وهبي... هذه هي نماذج الجمال في أحلام الشبان والفتيات في مصر، نماذج تجعل جراحات التجميل صناعة رائجة حتى لو أودت بحياة بعضهم! ويرى خبراء علم الاجتماع أن الصورة المنتشرة لفتاة الإعلان الطويلة والممشوقة القوام، هي وراء انتشار جراحات التجميل في المجتمعات العربية المحافظة. وعلى رغم أن كارثة الفنانة نصر ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، إلا أنها سلطت الضوء مجدداً على فوضى جراحات التجميل المنتشرة في المجتمع عموماً والوسط الفني خصوصاً، هذا الوسط الذي يرضخ أولاً وأخيراً لطلبات السوق الاستهلاكي، ويكرّس أنماطاً قد تكون غريبة عن المفاهيم والقيم العربية، لكنها موضوعة تحت الأضواء التي تبهر كل من أحب بريقها، أو جذبه سحرها. الجمال والثقافة وإذا كانت المقاييس الجمالية تتغير وفق تغير المفاهيم، وتختلف وفق طبيعة المجتمعات، يبقى الحكم على جمال المرأة خاضعاً للثقافة التي يعيشها المحيطون بها. فالشفاه الكبيرة مثلاً هي المقياس المثالي عند بعض شعوب القارة الأفريقية، لذا تضع النساء صحوناً فخارية صغيرة في أفواههن لتكبير الشفاه ومجاراة الموضة. وفي بورما، تعد النساء ذوات الرقبات الطويلة أكثرهن جمالاً. أما في الصين فقد ظلت القدم الصغيرة لفترة طويلة هي دليل الحسن. وصنفت الشعوب العربية القديمة المرأة البدينة كمثال للجمال، معتبرين البدانة دليل الرفاهية والغنى أما النحافة فتعني الفقر والبؤس. وفي القرن العشرين، اكتسبت مقاييس الجمال بعداً جديداً وارتبطت بتحول وضع المرأة في المجتمع، من أم تكتسب أهميتها ومكانتها من خصوبتها، إلى موضوع مثير يبحث دائماً عن الإعجاب. وارتبط تحرر المرأة من"قيود"الأسرة والأمومة بسيطرتها وتحكمها بجسدها وفي علاقاتها بمن حولها، وارتبط هذا كله بالنحافة. وكرّست وسائل الإعلام الصورة الجديدة للمرأة الجميلة، وبرزت كلمة"موديل"Model التي تصف عارضة الأزياء أو ملكة الجمال بالنموذج المحتذى به والمستقر في الأذهان. وتنوَّعت السبل والوسائل للحصول على هذا الجسد الرشيق، وانتشرت أمراض مصاحبة لأنماط غذائية غير متوازنة، كأمراض اضطرابات الأكل، أو"البوليميا". وظهرت أخيراً عمليات التجميل... وانتشرت الجراحات التي لم تعد امتيازاً مقتصراً على الميسورين والمشاهير، على نطاق واسع. وتهافتت الفتيات لإجراء العمليات، وتطورت تقنيات التجميل، وانكسر حاجز الرهبة والخوف من إجراء العمل الجراحي. وعلى رغم أن الفتيات اللاتي يتمتعن بالمقاييس التي جعلتها المحطات التلفزيونية مثالية لا يمثلن سوى 5 في المئة فقط من الفتيات، وأن ال 95 في المئة الأخريات يتمتعن بمقاييس مختلفة، إلا أن طرح المقاييس الملح في وسائل الإعلام جعلها النموذج المثالي الذي تسعى معظم الفتيات إلى الوصول إليه. فشرعن بتغيير بعض ملامحهن لتصبح كالملامح المثالية التي يرونها. وساهمت برامج التلفزيون مثل"إكستريم ميك أوفر"أو"سوان"الذين يستضيفان متطوعين أميركيين ذوي مظهر عادي ويقدمن لهم علاجات جراحية تكلف آلاف الدولارات وتعيد تشكيل مظهرهم من جديد، في تفشي الظاهرة. المقاييس الفنية الجديدة وسط كل التغييرات الجمالية المذكورة، كان لا بدّ للمقاييس الفنية من أن تشهد انقلاباً جذرياً أيضاً، وصارت النجمة الشعبية هي تلك التي كرّست مشوارها لشفط الدهون وتصغير الثديين أو تجميل الجفون أو تصغير الأنف. أما الموهبة، فلم تعد تكفي، بل باتت أمراً ثانوياً. هل كانت سعاد نصر في حاجة ماسة إلى تلك العمليات؟ أكانت تعتقد أن ذلك سيسهم في ازدياد الطلب عليها من المنتجين، علماً أنها حققت في الفترة الأخيرة إطلالات مميزة آخرها كان في مسلسل يسرا"أحلام عادية"الذي عرض في شهر رمضان الماضي؟ أسئلة طرحها بعض النقاد والمتابعين للوسط الفني... لعلّ نصر كانت في بحثها عن الجمال، تستجيب لمتطلبات العصر الذي فرض مقاييس جمالية غير ثابتة، جعلته ذوقاً استهلاكياً وسلعة تخضع إلى قوانين متجددة. ولكن، في المقابل، وقف هؤلاء النقاد حائرين أمام الإجابة على أسئلة أخرى: ألم تسرق نانسي عجرم الأضواء يوم عرفت كيف تتحايل على الصورة، وتعود في طلّة جديدة رسمتها عمليات التجميل، لتملأ الدنيا وتشغل الناس، خصوصاً أن شكلها القديم ووقفتها الخجولة حالا دون وصولها إلى قلوب الملايين. ألم يقدم هذا العصر لهيفا وهبي، فرصة ذهبية، جعلت من صاحبة المواصفات الجمالية الخارقة والإمكانات الصوتية المحدودة، مغنية تستضيفها خشبات المسارح الغنائية، وكبريات شركات الإنتاج؟! ومن هيفا إلى ميسم نحاس ومي حريري وغيرهن، غرقت الساحة الفنية بسيدات، يتشابهن في شكل الأنف وارتفاع الحاجبين وانتفاخ الخدين... وفي وقت يعزو الباحثون الاجتماعيون تفشي الظاهرة في المجتمعات العربية والغربية إلى سعي وراء كمال جمالي لا وجود له إلا في عالم الخيال. يبقى للنجمات، هدف إضافي، هو الفوز بقلوب المشاهدين والاستحواذ على أبصارهم، خصوصاً بعد أن احتلت العين موقع الصدارة، وتحول المثل الشائع إلى قاعدة ذهبية:"العين تعشق قبل الأذن دائماً". وإذا كان حلم النجومية يدغدغ قلوب الكثيرين، سعت سيدات المجتمع إلى ضرب كل العصافير بحجر واحد: عمليات بسيطة وتعديلات سحرية، ثم نسخ مصغرة من النجمات المتألقات، والفوز بالتالي بقلوب الرجال. ومع انتشار عمليات التجميل، عادت قضية الفنانة نصر لتؤكد عدم صحة هذه الظاهرة وتسلط الضوء على بعض جوانبها السلبية، خصوصاً أن السحر قد ينقلب على الساحر في كثير من الأحيان. فعن بعد ترى النجمات جميعهن جميلات لكنك عن قرب، قد تكتشف أن بعضهن تحولن إلى"أمساخ متحركة"، يعجزن عن تأدية أبسط الحركات الطبيعية وتعبيرات الوجه بعدما ماتت أنسجة جلدهن بفعل وابل الجراحات التجميلية التي خضعن لها. ألم يتحول وجه مايكل جاكسون إلى متحف بال، فعانى أزمة"سقوط"أنفه الذي اهترأ بعد أن خضع لعمليات تفوق عدد أصابع اليد... أولم تصبح بعض نجمات الشاشة المصرية بطلات لنكات وأخبار ساخرة، بسبب تغير معالم وجوههن، بعد الشدّ الذي غالباً ما يبرر في سعي حثيث وراء صبا وجمال دائمين، وفشل المحاولة المستميتة لإبقاء نضارة مصطنعة، تذبل عادة مع مرور السنوات. وعبثاً حاولت نوال الزغبي إعادة البريق إلى عينيها، لكن مشرط الجراح كان أقوى هذه المرة في رسم خطوط غير متناسقة على وجهها الذي اعتبر يوماً نموذجاً حقيقياً للجمال. أما على الصعيد الفني، فجاءت المعادلة أصعب. جمال نانسي لم يسعفها هذه المرة في رفع عدد مبيعات ألبوم"يا طبطب ودلع"، بسبب اختياراتها الفنية المتكررة والبعيدة من التجديد. وإليسا جاهدت للخروج سريعاً من دائرة الإغراء، بعد أن حرصت في ألبوم"بستناك"على انتقاء أغان جيدة، تشترط صوتاً عذباً أو إحساساً صادقاً. وضحكة عيون هيفا وهبي لم تستطع صدّ وابل الانتقادات التي وجهت الى أغنيتها الجديدة"الواوا"والتي حوربت بسبب كلماتها السطحية. هناك أيضاً أصالة التي حوّلت صورتها من مطربة قديرة إلى مغنية تبحث عن الصبا، حينما جمّلت أنفها الذي أعطاها دوماً خصوصية واضحة. أما نجم موسيقى الريف الأميركي كيني روجرز فأكد عدم سعادته بنتائج عملية التجميل الأخيرة التي أجريت له والتي كانت"ضيّقة جداً حول جفونه". وفاجأ وجه روجرز الجديد عشاق فنه، ما جعله يعلن لومه لوسائل الإعلام التي دفعته إلى الشعور بالحاجة إلى إجراء عملية لإزالة التجاعيد. أخيراً، يبقى السؤال: هل حان وقت البحث عن مقاييس جديدة تكرّس نموذجاً جمالياً مختلفاً في الإعلام؟ وإذا وضعنا جانباً الأخطار الجسدية والنفسية الكثيرة التي تنتج من عمليات التجميل، وبحثنا فقط في المسألة الفنية، نجد أن أسهم ديانا كرزون مثلاً تراجعت، ليس بسبب وزنها الزائد خسرت الكثير من الكيلوغرامات أخيراً بل بسبب أغانيها الباهتة. في المقابل، ها هي ماجدة الرومي تعود بقوة إلى الساحة الفنية بعد غياب سبع سنوات، وتحقق نجاحاً كبيراً. لكن استمراريتها لا تعود إلى بعض اللمسات التي أضافتها على وجهها الجميل، بل أرشيفها الغنائي ومواقفها الملتزمة. أما"المتجملات"فلم يستطعن الصمود لأكثر من سنوات قليلة. هؤلاء نسين أن العين تملّ غالباً المشاهد المتكررة!