أصبحت الدراما التلفزيونية اليوم ملاذاً آمناً لعدد كبير من السينمائيين المصريين بعدما هجرتهم السينما او هجروها - كما يحلو لبعضهم التأكيد - مع طغيان سينما المهرجين على الواقع السينمائي المصري. وكان كثيرون استبشروا خيراً باتجاه هؤلاء الى التلفزيون، باعتبار أنهم سيحدثون نقلة نوعية في المسلسلات، لكن سرعان ما خاب ظنهم. وبجولة سريعة على المسلسلات التلفزيونية التي تصور حالياً، نجد أن غالبيتها تحمل تواقيع سينمائيين كباراً، منهم خيري بشارة الذي انتهى من تصوير مسلسل"قلب حبيبة" من بطولة سهير البابلي، وسمير سيف الذي اكتفى بتصوير 15 حلقة من"نور الصباح"من بطولة ليلى علوي. واللائحة تطول من محمد النجار الذي صوّر"علي يا ويكا"، الى هاني لاشين مع"خيوط في مسرح العرائس"، ومحمد عبدالعزيز الذي يصور"حياتي انت"، وعادل الاعصر في"مواطن بدرجة وزير"واحمد يحيى في"لم تنس انها امرأة"، ونادر جلال في"درب الطيب"، وعمر عبدالعزيز في"احزان مريم". كما يستعد مجدي احمد علي لتصوير مسلسل"بليغ حمدي"، وهناك اعمال اخرى لحسين عمارة واحمد النحاس ونادية حمزة ومصطفى محرم وبشير الديك، وآخرين. مؤامرة وإذا نظرنا في التجارب السابقة، نرى أن السينمائيين لم يحققوا في التلفزيون النجاح المأمول، لكونهم أجبروا على تقديم التنازلات، والانصياع لمتطلبات السوق. ويعزو المؤلف سمير الجمل سبب فشل بعض السينمائيين عندما تحولوا الى التلفزيون الى غياب النصوص، والتعقيدات التي تواجهها الأعمال الجيدة لمصلحة اعمال مستهلكة،"وكأن في الأمر مؤامرة على الدراما المصرية"كما يقول. اما المشكلة الثانية - كما يؤكد الجمل - فتكمن في"استخفاف بعض السينمائيين بالعمل للتلفزيون، إضافة الى شعورهم بالفوقية، وبأنهم مضطرون للعمل. بعضهم قدموا تجارب متواضعة، وظلت الغلبة والتفوق لمخرجي التلفزيون الذين اخلصوا للفيديو، في حين كان مخرجو السينما غير معترفين بالشاشة الصغيرة، وعندما اغلقت ابواب الرحمة سينمائياً في وجوههم لم يكن امامهم الا الاتجاه الى التلفزيون. ومع هذا لمع سينمائيون، مثل نادر جلال الذي أعتبره صورة حية للمخرج المحترف الذي يمكنه تقديم الجودة نفسها في السينما والتلفزيون. فهو يعتبر امتداداً لمدرسة الراحل حسين كمال الذي كان يستطيع التميز في كل الاتجاهات سواء السينمائية او التلفزيونية او المسرحية". ويضيف الجمل:"خطورة الفيديو هو اننا نخاطب العالم عبر الفضائيات -المنتشرة في شكل واسع - من خلال مواضيع تقليدية تدور في اطار عقيم". "أكل عيش" وحول هذا الامر يقول الناقد حسين البيومي:"إن اتجاه السينمائيين الى التلفزيون ما هو إلا"أكل عيش". وارى أن سبب تدني مستوى تلك الأعمال يكمن في عدم الاستعانة بمؤلفين جدد والاكتفاء بالأسماء نفسها التي تكتب للتلفزيون". أما المخرج محمد عبدالعزيز فيعتبر أنه"عندما يعثر السينمائي على نص جيد مثل"رأفت الهجان"أو"ليالي الحلمية"فسيحقق حتماً النجاح المأمول، لأن الأزمة هي أزمة نصوص". ويخالف المؤلف محمد عزيز أصحاب مقولة تفوق مخرجي التلفزيون على السينمائيين في الدراما، ويقول:"حقق مخرجو السينما الذين اتجهوا الى التلفزيون نجاحاً لم يحققه نجوم الاخراج على الشاشة الصغيرة، والدليل ما قدمه نادر جلال مثلاً في"كفر عسكر"وپ"أماكن في القلب". وفي الإطار ذاته تعتبر بصمة خيري بشارة السينمائية واضحة في"مسألة مبدأ"، والامر ذاته يقال في أعمال محمد عبدالعزيز. على صعيد آخر لا أحب التمييز بين مخرجي السينما والتلفزيون لأننا نعمل جميعاً في مجال واحد، وعندما تبحث في سيرة كل مخرج تجد أن الجميع درسوا السينما والجميع أعضاء نقابة واحدة، يجمعهم الفن". ويتابع عزيز:"صحيح ان التلفزيون كان قديماً يكتفي بالقليل، اما اليوم فتغيرت الأمور، لأن الجمهور لم يعد يقبل بما كان يقبله في الماضي، إذ بتنا مطالبين بلغة سينمائية في التلفزة. وفي نهاية الأمر كفانا عنصرية، ولنقتنع بأن السوق في حاجة لتضافر جهود الجميع".