في نهاية السبعينات دهش الوسط الفني المصري وجماهير السينماً عندما قام المخرج السينمائي الراحل حسن الإمام بإخراج المسلسل التلفزيوني "صاحب الجلالة الحب" عن قصة مصطفى أمين من بطولة نبيلة عبيد وحسين فهمي. وقتها كان من الغرابة أن يقوم مخرج سينمائي بإخراج عمل تلفزيوني أو ان يأتي وقت يهرول فيه نجوم الاخراج السينمائي الى التلفزيون مخرجين مسلسلاته. صحيح انه منذ سنوات عدة استقطب التلفزيون عدداً كبيراً من نجوم السينما ونجماتها كما استقطب أيضاً بعض مخرجيها أمثال الراحل حسام الدين مصطفى وسمير سيف ومحمد عبدالعزيز وعمر عبدالعزيز، ووقتها قال الجميع إنها مجرد تجارب لهؤلاء المخرجين أو مغامرات فنية سيعود بعدها هؤلاء الى عالمهم السينمائي على أساس أن لكل مجال فني رجالَه ومبدعيه. لكن الذي حدث هذا العام فاق التوقع، إذاً انضمت أسماء اخرى الى مجال العمل التلفزيوني، فمن كانوا يصنفون أنفسهم بأنهم مخرجو سينما وسينما فقط. وكانت المفاجأة أن نرى بشارة ومحمد خان ونادر جلال وعادل الأعصر وعلي عبدالخالق في التلفزيون. ماذا عن تجارب هؤلاء المخرجين التلفزيونية؟ هل حققت النجاح؟ هل أضافت جديداً الى دراما الشاشة الصغيرة؟ هل غيرت في أساليب الاخراج التلفزيوني وأضافت اليه ما لم يكن يعرفه مخرجو التلفزيون الأصليون؟ اسئلة عدة لا بد من أن نطرحها من أجل أن نصل الى اجابة مقنعة لسؤال كبير: هل كانت مغامرة وتجربة ناجحة؟ أم فاشلة لهؤلاء المخرجين؟ هجوم وسخرية الإجابة هنا لن تأتي بكلمة واحدة "نعم" أو "لا" بل ستكون من خلال استعراض موضوعي لأعمالهم وأيضاً من خلال آراء بعض الفنانين والنقاد. ولنبدأ بالمخرج عادل الأعصر الذي خاض تجربة سابقة من خلال مسلسل "وجه القمر" مع فاتن حمامة قبل ثلاثة أعوام ولم يحقق النجاح الكبير الكاسح الذي كان منتظراً لمسلسل تقوم ببطولته سيدة الشاشة العربية، التي كان لها مسلسل سابق حقق جماهيرية عريضة ونجاحاً مذهلاً هو "ضمير أبله حكمت" الذي أخرجته إنعام محمد علي. وعلى رغم ذلك خاض عادل الأعصر تجربته الثانية هذا العام بمسلسل "العمة نور" وأعاد نبيلة عبيد الى الشاشة الصغيرة بعد غياب استمر ما يقارب الربع قرن ومن خلال مؤلف سينمائي ناجح ومعروف هو محمود أبو زيد فماذا كانت النتيجة والمحصلة؟ مع الأسف تعرض المسلسل لموجة من الهجوم الحاد من النقاد والجمهور أيضاً، وهو هجوم وصل الى حد السخرية من كل جوانب المسلسل: التأليف والاخراج والتمثيل، فالموضوع مستهلك والاخراج تقليدي للغاية وفي أحيان كثيرة يفتقد الى إيقاع الدراما التلفزيونية على رغم أن مخرجه سينمائي ويعرف الايقاع السريع. وهنا نطرح السؤال ونجيب هل نجح المسلسل: "لا"؟ هل قدم جديداً؟ "لا". واللاءات هنا ليست مجرد رأي فردي بل هي اختصار لآراء أعداد من المشاهدين وعشرات من النقاد والمتخصصين الذين اعتبروا "العمة نور" أضعف مسلسل قدم على الشاشة الصغيرة ليس في رمضان فحسب بل منذ سنوات عدة. فوازير ولم يكن المخرج محمد خان صاحب الأعمال السينمائية الرائعة بأحسن حالاً من عادل الأعصر فقد أوقعه سوء الحظ في التصدي لإخراج فوازير "فرح × فرح" التي قامت ببطولتها غادة عبدالرازق أمام مدحت صالح. لم يبال محمد خان بالرفض المتكرر من جانب نجوم الفوازير لتكرار التجربة فهؤلاء كانوا أبعد نظراً في رفضهم بعد أن اقتنعوا تماماً بأن الفوازير استهلكت واستنفذت اغراضها ولم يعد فيها جديد ولم تعد كما كانت في الماضي تشد وتجذب الجماهير أيام كانت تقوم ببطولتها نيللي وشريهان وأحياناً سمير غانم ويخرجها فهمي عبدالحميد. وعلى رغم كل ذلك قبِل خان أن يكون مخرجاً لفوازير رمضان، وتوقعنا ما دام قد قبل - ان لديه الجديد فهو مخرج سينمائي كبير ويستحيل أن يُقدم على عمل أو تجربة لا يملك مقومات نجاحها، لكن خابت التوقعات ولم تحظَ الفوازير بأي نسبة مشاهدة بعد أن اكتشف المشاهدون انها أشبه "بالطعام البارد. وفي ليلة شتاء أكثر برودة" ونسي الجمهور أن تلفزيون رمضان فيه هذا العام فوازير واعتبروها كأنها لم تكن. محظوظ ونأتي الى واحد من أهم مخرجي السينما المصرية خيري بشارة ومسلسله "مسألة مبدأ" الذي كتبه محمد صفاء عامر وقامت ببطولته الهام شاهين مع خالد النبوي وجميل راتب. في المسلسل لعب المؤلف على التيمة الصعيدية نفسها وحاول مناقشة مشكلة الثأر وتجارة السلاح في الصعيد وما تخلفه هذه المشكلات من آثار سلبية على مجتمع الصعيد كله. ولعل خيري بشارة هو الوحيد الأفضل حالاً من زملائه إذ حظي مسلسله ببعض المتابعة من جانب الجمهور وأقل نسبة من الهجوم من جانب النقاد. لكن خيري لم يتفوق على مخرجي التلفزيون ولم يتجاوز بمسلسله أعمالهم مثل "الليل وآخره" و"رجل الأقدار" و"أبيض في أبيض" و"ملفات سرية". لم يقدم خيري جديداً في الاسلوب أو الشكل أو المضمون أو التكتيك للدراما التلفزيونية فماذا كان الهدف والمغزى من مغامرة الاخراج التلفزيونية؟ الاجابة لا نملكها لأنها عند خيري بشارة وحده، اللهم اذا كان الأمر مجرد عمل فني يدر دخلاً كبيراً أكبر بالطبع من السينما. ونأتي الى "آخر المشوار" أول الأعمال التلفزيونية للمخرج السينمائي المتميز نادر جلال، والحقيقة كان الجميع ينتظرون ان يروا مسلسلاً مختلفاً من هذا المخرج بالتحديد فهو معروف بأفلامه البوليسية الجيدة السريعة الايقاع ذات الحرفية العالية والتقنية الاحترافية، وتوقع الكثيرون، بخاصة المتابعين لأفلام نادر جلال اسلوباً جديداً في الاخراج التلفزيوني، لكن مع الأسف لم يحدث شيء من هذا فشاهدنا مسلسلاً بطيء الايقاع افتقر الى الترابط والحبكة المقنعة المشوقة. ولم يشفع للمسلسل أبطاله وعلى رأسهم القدير كمال الشناوي ثم هشام سليم وشيرين ولم يحقق المسلسل أي نسبة مشاهدة ولم يحظ بأي مكان وسط الأعمال الدرامية التي احتلت المراكز المتقدمة في أي من الاستفتاءات التي أجرتها بعض الفضائيات العربية لاختيار أفضل الأعمال في رمضان، ولعل أطرف ما قيل عن هذا المسلسل هو أن بعض البسطاء من الجماهير سألوا في براءة "هو كان فيه مسلسل السنة دي اسمه آخر المشوار"؟! وبعد أن عرضنا الأعمال لمخرجين فماذا عن آراء الفنانين والنقاد؟ يقول نور الشريف: "إذا كان الفنان يبحث عن الدور الجيد في أي مجال فني سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون فليس هناك أي نوع من المغامرة أو المفاجأة أن يعمل مخرجو السينما في التلفزيون طالما وجدوا العمل الجيد الذي يقنعهم، لكن هنا لا بد من أن يكون لمخرج السينما بصمة وتأثير عندما يقدم عملاً للتلفزيون". لم يجب الشريف عما إذا كان هؤلاء تركوا بصمة وتأثيراً عبر أعمالهم، فالاجابة لا تحتاج الى اجتهاد، إذ قال عدد كبير من النقاد: ان معظم أعمال مخرجي السينما في التلفزيون هذا العام لم تكن تجارب ناجحة. وعن هذا يقول المؤلف طارق بركات: "تكنيك السينما مختلف تماماً عن تكنيك التلفزيون وهذه بديهة يعرفها الجميع لذلك على المخرج الذي اعتاد على السينما، عندما يتصدى لعمل تلفزيوني، إما أن يقدمه بالاسلوب السينمائي الذي اعتاد عليه ويفهم فيه أكثر وإما أن يطوع نفسه على اسلوب التلفزيون واعتقد ان هذا لم يحدث فخرجت الأعمال التي شاهدناها بهذا الشكل لا هي سينمائية الاسلوب ولا بلغت حد الجودة العالية في الدراما التلفزيونية".