"مقهى الجميزة"كان ذات يوم"قهوة القزاز"الشهيرة في تاريخ بيروت. كانت"قهوة"شعبيّة للرجال، تلمّ زعران ساحة البرج وقبضاياتها، وتسرع النساء بخفر وانزعاج لدى المرور أمام واجهاتها الزجاجيّة... ثم جاء من رممها قبل سنوات قليلة، وأعاد افتتاحها بديكور مستحدث على الطريقة القديمة، فصار مقهى"شيك"، أو"بلدي شيك"إذا فضّلنا، يقصده أبناء الذوات، وضحايا الحنين، والزبائن العصريّون، والسياح الأوروبيون على أنواعهم، وغيرهم من الرواد الجدد للحيّ البيروتي الذي صار على الموضة... على مرمى حجر من ال"داون تاون"كما تسمّى بلغة العارفين، أي الوسط التجاري المقفر هذه الأيّام بسبب جلسات الحوار وتوابعها. أما شارع غورو في الجميزة، جار ال"داون تاون"، فصار مزدحماً في الليل، أكثر من ازدحامه في النهار، بسبب تكاثر الملاهي والمطاعم والنوادي الليليّة. وهذا المقهى اختارته ادارة"مهرجانات جبيل الدوليّة - بيبلوس"، لتعلن يوم أمس عن برنامج دورتها الجديدة التي تنطلق في 71 حزيران يونيو، وتستمرّ حتى الثالث والعشرين من تموّز يونيو.... إلى المنصّة جلست لطيفة اللقيس، مديرة المهرجان، تتوسّط عدداً من المشرفين على التظاهرة، بينهم شريك جديد هو جوزيف الرعيدي. يطلق الرعيدي، بالتزامن مع"جبيل""مهرجانات بيروت السياحيّة"في الجمّيزة عروض مجانية في الهواء الطلق، يشارك فيها شربل روحانا، وعازف البيانو مخائيل رودي، إضافة إلى كرنفال راقص وعروض سينمائيّة، بالاشتراك مع"بيبلوس"، على أساس توأمة غامضة لم نفهم منطلقاتها تماماً : فالبرمجة مختلفة والفكرة مختلفة من أساسها. وإلى أقصى اليمين، جلس ناجي باز، الرجل الخفي الذي أعطى للمهرجان روحه وكان وراء انطلاقته الجديدة... ناجي باز، مسؤول البرمجة، تحدّث أمام حشد من الاعلاميين الذين صاروا - لبرهة - قبضايات"قهوة القزاز". المؤتمرات الصحافيّة لتقديم مهرجانات الصيف في لبنان باتت متشابهة، وسياسة البرمجة أيضاً. شاشة فيديو مسطّحة"بلازما"تقدّم مقتطفات ووصلات من أعمال الفنانين المشاركين، وبرمجة تراعي كلّ الأذواق. في"مهرجانات"بيبلوس، أو جبيل، يبقى الذوق الفرنكوفوني هو الطاغي... ولو اننا لمسنا في صوت ناجي باز شيئاً من الخيبة: فقد اعتذر نجوم عالميّون وفرق من الصفّ الأوّل، في اللحظات الأخيرة، عن عدم المشاركة في المهرجان، بعد أن كان الاتفاق شبه مبرم، كما علمنا في أوساط مقرّبة من مسؤول البرمجة. ولم يبقَ للمهرجان سوى المغنّي الفرنسي فرانسيس كابريل 17/6، والكوميدي الفرنسي المغربي الأصل جاد المليح 22/7، عازف البيانو الكندي غونزاليس 23/7، مغنّي الريغي الجامايكي شان بول 15/7، ومغنيّة الأوبرا الأميركية السوبرانو بربارا هيندريكس 2/7. وتغيب عن برنامج"مهرجانات جبيل"أيّة أسماء عربيّة، أو لبنانيّة تحديداً... ما يجعل شعوراً بالنقص ينتاب الناظر المتمهّل إلى برنامج هذا العام... ويبدو أن ادارة مهرجانات بيبلوس، حسب مصدر موثوق، عانت الأمرّين مع الفنان اللبناني منصور الرحباني راجع الكادر في مكان آخر من الصفحة الذي كان من المقرّر أن يأتي - هذا الصيف أيضاً - مع أبنائه إلى ميناء بيبلوس العريق. لكن"مطالبه كثيرة"يقول أحد المسؤولين، تتغيّر طوال الوقت، وشروطه لا تحصى، و"مطالبه الماليّة خياليّة، أكبر من طاقة المهرجان". سيكتفي جمهور بيبلوس هذا الصيف إذاً بالمغنّي فرانسيس كابريل، أحد ممثلي مدرسة الأغنية الفرنسية التي أضاف إليها الكثير من الجاز والبلوز، وله في لبنان دائرة كبرى من المعجبين، خصوصاً في الأوسطا الفرنكوفونيّة التي يمثّلها"مهرجان بيبلوس"خير تمثيل. وسيكتشف الجمهور - الشبابي تحديداً - النجم العالمي شان بول الذي يجمع إلى الريغي، ملامح تقرّبه من ال"آر إند بي"وال"هيب هوب"، وغيرها من الاتجاهات الموسيقيّة العصريّة، الشبابيّة بامتياز. وسيكون موعد الجمهور مع موسيقى البيانو، والفنان الكندي غونزاليس، المعروف بابتكارته الخاصة. هذا الفنان الطليعي الذي ترك برلين ليصبح موسيقياً في باريس، يحيي حفلة خاصة أقرب إلى"تجهيز فنّي"بمشاركة وسائط متعدد كالفيديو. يعزف غونزاليس على البيانو، يرافقه عرض مباشر لحركات يديه على شاشة توضع فوقه، ضمن نظام صمّمه فنان الفيديو نينجا بليجر بعنوان"بيانو فيجن". وللمرّة الأولى يكون للكوميديا مكانها في مهرجانات الصيف، إذ يقف على الخشبة الممثّل جالد المليح، ليقدّم مجموعة اسكتشات ولوحات منفردة. وجاد أو"غاد"كما يلفظ اسمه بالفرنسية، معروف على نطاق واسع في فرنسا حيث شارك في أفلام عدّة، بعضها من اخراج الجزائري مرزاق علواش "مرحبا ابن العمّ"، 1996... وإذا كان الفنان يتميّز بموهبة كوميديّة لافتة، فإن السؤال المطروح يبقى حول مدى تجاوب الجمهور المحلّي مع هذا النوع من الطرافة والكوميديا، ومع اسكتات ضاحكة قائمة على الكلام أساساً، تستند الى خلفية ثقافية واجتماعيّة قد تفلت من المتلقّي العادي في لبنان. أما بربارا هندريكس، فستكون نجمة الصيف في جبيل بلا منازع... ستقف عند سفح القلعة التاريخيّة المطلّة على البحر، برفقة عازف الساكسوفون السيويدي مانيوس ليندرن والرباعي الذي يديره، لتخوض - بعيداً عن أجواء الأوبرا - في مجال آخر لمعت فيه منذ سنوات طويلة، ألا وهو كلاسيكيات موسيقى الجاز. ستحمل معها المطربة السمراء إلى جبيل، أغنيات خالدة تحمل توقيع ديوك إلنغتون ،وجورج غيرشوين. ولا بدّ أن يصدح صوتها بكلمات إيرا غيرشوين الحميمة يرددها معها الجمهور:"ذات يوم سيأتي وحده/. الرجل الذي أحبّ/ سيكون كبيراً وقويّاً الرجل الذي أحبّ/ وعندما سيأتي صوبي/ الرجل الذي أحبّ/ سأبذل كلّ ما بوسعي كي أدعه يبقى...".