يخطئ العرب إن لم يخرجوا سريعاً من حال الترقب والقلق والحيطة والحذر تجاه العلاقة مع إيران. ويخطئ المصريون إن لم يحسموا أمرهم سريعاً في مسألة إعادة وصل ما انقطع مع إيران. ويخطئ الإيرانيون أكثر إن لم يخرجوا سريعاً من حال التقاعس تجاه ما يجري من مخطط خطير ل"العرب والعجم"انطلاقاً من العراق. أعرف أن العرب غير مسؤولين مباشرة عما يحضّر لإيران من مخطط حصار وصولاً الى محاولة نزع القوة واسقاط آخر جيوب المقاومة لمشروع"الشرق الأوسط الكبير"، لأنهم سيقولون وما بالنا فاعلون في أمر لسنا طرفاً فيه. وأعرف أن المصريين سيقولون إننا لم نكن نحن الذين قطعنا العلاقة مع طهران، وانه لا تزال ثمة ملفات عالقة وما شابه ذلك. وأعرف أن الإيرانيين سيقولون بكل"برودة"وماذا بنا نحن تجاه ما يحصل للعراق بعد أن أوصلته قيادة الخميني البائدة الى ما هو عليه اليوم من خراب وفتنة ودمار! لكن ما أعرفه أيضاً أنه ليس بيننا من هو في موقف"المستشرق"حيال ما يجري ويُعد للمنطقة برمتها، كما أن المسألة لم تعد مسألة مبادئ وقيم ومواقف عامة يحق لنا أن نتفق أو نختلف بشأنها، فالأحداث والوقائع بدأت تدفعنا أكثر فأكثر نحو دائرة الخطر المباشر والنار المحرقة بالأرقام وحساب الأرباح والخسائر، وبالتالي فإن الأمر لم يعد يحتمل الموقف النظري المجرد الذي يقول إن اجتهادي يتباين مع اجتهاد جاري أو شقيقي. فإذا ما تمت مهاجمة إيران، فإن النار ستحرق الجميع ولن يسلم منها أحد. ولو تمت ترجمة ما هو مخطط لمصر، فإن العرب لن تقوم الأمر قائمة لعقود. وإذا ما استمر العراق على ما هو عليه، فإن فتنة التفتيت والتشقق والتصدع للأقطار والأوطان ستنطلق في كل اتجاه ومن دون وازع. مطلوب من العرب أن يقدموا مجتمعين على مصارحة مع المجتمع الدولي ومع ايران تحسم نهائياً اللغط المتعمد والمقصود الذي تبثه إسرائيل والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني من خلال اتهامه بالعسكرى من دون دليل أو برهان في مقدمة طال أمدها على أدل أن تسوى بقرار أحادي جديد لشرطي العالم في إعلان حرب جديدة، وفي اطار ساعة اختبار جديدة للقوة الامبراطورية العنجهية الوحيدة. وحين تكتمل العدة لمواجهة كل الاحتمالات، لا بد من قرار شجاع وجسور وجريء باتجاه عودة العلاقات المصرية - الإيرانية، أياً تكن الملفات المعلقة أو المشتبه بها. ولا بد أخيراً لإيران أن"ترفع الغطاء"وبشكل واضح لا لبس فيه عن كل من يمارس عملياً دور المعين أو المساند أو الدليل لاستمرار الاحتلال الأميركي للعراق، أو تراوده غريزته الحزبية أو الفئوية أو الطائفية نحو الانزلاق النهائي في مخطط تقسيم العراق أو ادخاله في متاهات تكرس المحاصصات العرقية والطائفية، بحجة أو ذريعة رد المظالم او الانتصار للمظلومية التاريخية لهذه الفئة أو تلك. فالعدالة والموقف السليم والتاريخي الثاقب يتطلب اليوم إعادة لم عقد"المسبحة"المنفرط، ووقف لعبة الدومينو العرقية والطائفية التي لن نستثني أحداً إذا ما بقي"العرب والعجم"على الحال الذي تعم فيه:"كل حزب بما لديهم فرحون". ومن هنا فإن علماء الدين والنخب الفكرية في العالمين العربي والإسلامي يتحملون مسؤولية خطيرة وجادة لا تقبل التأمل والتردد في الدعوة الواضحة والحازمة والنهائية الى ضرورة وقف مسار التكفير والتكفير المضاد والتشكيك في تديّن أو ولاء المواطنين في عصر لم يعد فيه مقبولاً أن يتقاتل أبناء الدين أو أبناء المذهب الواحد أو أبناء القوم الواحد فيما تمضي البشرية قدماً نحو عالمية إنسانية تؤكد يوماً بعد يوم صحة ما ذهب اليه ديننا الإسلامي الحنيف بأن جوهر الدين واحد، وأن الدين كله لله، وأن طرق الوصول اليه هي بعدد أنفاس الخلائق. العلماء والحكام مطالبون أيضاً بالاعتراف الكامل للمواطنين بمواطنيهم كما هم، لا كما تتطلبه معايير الولاء لشخصانية الحاكم وفرديته، والاعتراف بمواطنية المواطنين جميعاً مسلمين ومسيحيين، سنّة وشيعة وزيديين وأباظية وكاثوليك وارثوذكس وأقباط وبروتستانت وعرباً وغير عرب، بل حتى ملحدين أو غير مؤمنين. أليس الله هو صاحب الأرزاق ومالك الرقاب والأعناق أم نحن؟ في القاهرة، كما في طهران، كما في المنامة، كما في الرياض، كما في اسطنبول أو جاكارتا أو الدار البيضاء، ثمة اجماع في صفوف المواطنين بات ملموساً وملحاً مفاده: اوقفوا مسلسل التقاتل الداخلي والتكفير والتكفير المضاد وفكروا، ولو لمرة واحدة، كيف سيكون وجه العالم فيما لو قرر صانعو القرار في عالمنا العربي والإسلامي التخلي عن انانياتهم وفئوياتهم وحزبياتهم وضيق رفقهم لصالح المصلحة العليا للأمة. الاختلاف سنّة كونية وتضارب المصالح وتنوعها لا يعني القطيعة مطلقاً، بل ان السنن الكونية قائمة أصلاً على التنوع والاختلاف. ولم يكن الاختلاف يوماً معناه التضاد أو التنازع أو استئصال الآخر. ثم أن ما نعيشه من أحداث ووقائع مأسوية خطيرة في فلسطينوالعراق والسودان، وما يحيط ببقية الأقطار والأمصار العربية والإسلامية، يتطلب أكثر من أي وقت مضى إعلانا صريحا ونهائيا وحازما من قبل العلماء بضرورة وقف كل المنازعات بين الفرق والطوائف والمذاهب والأديان، واعتبار الخوض فيها، في الوقت الراهن على الأقل، عملاً من أعمال الحرام المنهي عنه بشدة ودعوة صريحة أخرى من الحكام باعتبار كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ورفع الحيف عملياً وبالقانون النافذ والصريح عن كل من لحقت به مثل هذه المظالم في العهود السابقة، وأخيراً تأجيل كل الملفات الثنائية أو المتعددة العالقة بين الدول والأقطار العربية والإسلامية حتى اشعار آخر إذا ما أرادت هذه الدول والأمصار البقاء، مجرد البقاء في وقت صار فيه حلم البقاء أقصى ما تتمناه شعوبنا المسكينة والمغلوبة على أمرها والمهددة بالجوع والفقر والجهل وخطر الابادة بعد كل أشكال انتهاكات الحقوق. * كاتب متخصص بالشؤون الإيرانية.