سواء أعجبنا ذلك أم لا، ولست معجباً بالتأكيد، فنحن نعيش في زمن غوانتانامو، مثلما عاش جيل أبي في زمن معسكرات الاعتقال النازية. لكن فيما كانت النازية تعني الرعب والاستبداد في القرن العشرين، فإن قيم الولاياتالمتحدة في القرن ال 21 يفترض أن تكون مجموعة القوانين التي تنظم المحاكمات أمام لجنة محلفين. غوانتانامو جعلت الشبان المسلمين أكثر تطرفاً في المملكة المتحدة وفي العالم، حتى باتت شعار تجنيد. ويجب ألا نتعجّب لدى رؤية الرهائن في العراق، مثل كين بيغلي الذي أُعدم، وقد تمّ تصويرهم وهم يرتدون لباساًً برتقالياً شبيهاً بالذي يرتديه المعتقلون في غوانتانامو. إن قانون المثول أمام المحكمة مبدأ أساسي في الحياة في المملكة المتحدة، فمنذ تاريخ صدور دستور الحرّيات ما يسمى ب"ماغنا كارتا"، الذي أُرغم الملك جون على توقيعه في رونيميد عام 1215، تحت وطأة الضغوط التي مارسها باروناته الثائرين وهو يمنع سجن أي فرد من دون المثول أمام المحكمة أو بانتظار جلسة الاستماع. ما من شكّ بأن الملك جون رأى أن من المناسب زجّ خصومه والمشتبه بكونهم من الخصوم في السجن، وإبقاءهم قيد الاعتقال وفقاً لمزاجه. بيد أنّ البارونات أرغموه على تغيير القوانين، وفي سياق هذه العملية طوّروا الحضارة الغربية إلى حدّ بعيد. تفتخر الولاياتالمتحدة كثيراً بوجود حق مماثل في نظامها القانوني، وقد سمعت أحياناً شخصيّات قانونية كبيرة من الولاياتالمتحدة تذكر هذه الصلة المهمّة والتاريخية التي تربط البلدين. ويكنَ الأميركيون احتراماً كبيراً للقانون في بلادهم. ويقال إنّ شخصاً من أصل سبعة أشخاص في واشنطن هو محام مخوّل، وإن المواطنين الأميركيين يسارعون إلى اللجوء الى الملاحقات القانونية لحماية حقوقهم وممتلكاتهم. لقد أقنعت جرائم 11 أيلول سبتمبر الرئيس بوش بأن الوسائل القانونية التقليدية أصبحت بالية وترفاً خطراً في هذا النزاع المفاجئ والمرير ضدّ الإرهاب العالمي، وقد كان على خطأ. في الخامس من آذار مارس قال الدكتور روان ويليامز، أسقف كانتربوري، خلال وجوده في السودان إنّ الإرهاب"إهانة لله والإنسان"، وأضاف إنّ"أيّ رسالة تبيّن أنّ أيّ دولة يمكنها ببساطة تخطّي أحكام من نوع قانون المثول أمام المحكمة الأساسي، ستلقى ترحيب المستبدّين في أماكن أخرى في العالم. ماذا سيقول الناس بعد عشر سنوات عن نظام يقبل بهذه الممارسة؟" منذ بضعة أسابيع، قام زميله الدكتور جون سنتامو، أسقف يورك الذي كان في السابق قاضياً في المحكمة العليا في أوغاندا بمقارنة بين أعمال الرئيس الأميركي في غوانتانامو والسياسات التي اعتمدها عيدي أمين في أوغندا. وبعد أن تملص الرئيس بوش في السابق من المحكمة الجنائية الدولية، ها هو اليوم يحاول التملص من واجبات أميركا التي تفرضها معاهدة جنيف. في البداية، كان الإجراء المُتبع خلال حملة أفغانستان يقضي بالحفاظ على المعتقلين لفترة غير محدّدة، من دون حق النفاذ الى القانون أو المحامين، على أن يُطلق سراحهم عند انتهاء"الحرب على الإرهاب"، تماماً كما أطلق سراح سجناء الحرب الألمان في نهاية الحرب العالمية الثانية. وسرعان ما اتضح أنّ لائحة السجناء الذين اقتيدوا إلى معسكر شُيّد خصيصاً لهذا الغرض في القاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو في كوبا لم تتضمّن سوى عدد قليل، أو حتى خلت، من الإرهابيين الكبار. لا يزال أسامة بن لادن مطلوباً"حياً أو ميتاً"، كما لا يزال الملا محمّد عمر حراً طليقاً، ولم يعلق في الشباك سوى عدد من العناصر غير المهمين، أحدهم رجل عجوز واثنان لا يزالان فتيّين. وقد يكونون من المنخرطين مع حركة طالبان كما قد لا يكون الأمر صحيحاً - لربما كانوا مجرد عناصر أمن أو حراس للمراقبة الليلية. لدى عودة السجناء البريطانيين إلى المملكة، بعد قضاء ثلاث سنوات في المعسكر الكوبي، لم يساور أحد أي شكّ بأنّهم، وعلى غرار غيرهم، تعرّضوا للتعذيب. وقد أوضحت الشرطة أن الاعترافات الذي ربّما أدلوا بها لا يمكن استعمالها كدليل في محكمة البريطانية. لذا تمّ احتجازهم لمدّة قصيرة ثمّ أطلق سراحهم. وبعد مرور هذه الفترة كلها، لا تمتلك الولاياتالمتحدة ولا المملكة المتحدة أدلّة كافية لاتهامهم بأي جرم. لقد وصف رئيس الوزراء توني بلير معسكر غوانتانامو بالقول"انه وضع شاذ". لكنّ وزراء آخرين، ومن بينهم اللورد فالكونر، ذهب الى أبعد من ذلك. وقد حثّت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم الحكومة على جعل معارضتها"واضحة وعلنية"، وارتأت أنّ هذا المعسكر يقلّل من السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة ويعيق أيّ حملة ضدّ الإرهاب. وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على فتح معسكر غوانتانامو، تبدو حملة إغلاقه أشبه بمهمة جبارة. ولا يمكن التسرّع في القيام بذلك، فان السجناء الذي يقارب عددهم ال 500 معتقل في حال مزرية. وقد وصفته"آمنستي إنترناشيونال"بالقول إنه"أشبه بمعسكرات الغولاغ السوفياتية في عصرنا الحالي". * كاتب وسياسي بريطاني.