ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء وجمعاً من المواطنين    أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى الجمعة.. والدفاع المدني يُحذِّر    «منشآت»: زيادة السجلات التجارية 67 %    أمير القصيم يزور عددًا من القضاة والمشايخ ويهنئهم بحلول شهر رمضان    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد التعادل أمام الأخدود    النصر لمصالحة جماهيره بالاستقلال    صحف برتغالية: جيسوس في ورطة مع الهلال    الغيابات تقلق مدرب النصر    بدعم القيادة.. تدشين حملة «جود المناطق 2»    الدفاع المدني: هطول أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى يوم الجمعة المقبل    تطوير المساجد التاريخية    82 موقعاً للإفطار الرمضاني لأهالي المدينة    المواطن رجل الأمن الأول في مواجهة الإرجاف    التسوق الرمضاني بين الحاجة والرغبة    كأس العالم وإكسبو.. دور الشعب السعودي لتحقيق النجاح    ألمانيا.. لحظة الواقعية الجيواقتصادية    الرفض العربي للتهجير يعيد الحرب إلى غزة    الأخدود يعرقل الاتحاد بتعادل قاتل    لا تفرحوا..!    الذكاء الصناعي تحديات وآفاق    أنقرة تحتضن اليوم اجتماعاً بريطانياً تركياً لمناقشة مستقبل سورية    تصحيح فوضى الغرامات وسحب المركبات في المواقف    تجديد تكليف الدكتور الرديني مديرا لمستشفى الملك فهد التخصصي في بريدة    زيلينسكي: بوسعي إنقاذ العلاقات مع أمريكا    «الرّكْب».. خبايا ومقاربات مع عبّاس طاشكندي!    جدة في كتاب جديد رائع !    أحمد فهمي يتحدث عن طلاقه في «رامز إيلون مصر».. وهنا الزاهد تُعلِّق: لا أخلاق لا قيمة    علوم الأجداد وابتكارات الأحفاد    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي وقف إدخال المساعدات إلى غزة    محافظ جدة يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية الإفطار الرمضاني في الميدان    رمضان وإرادة التغيير    إعلام يليق بوطن طموح    سرطان المريء في بريطانيا.. لماذا تسجل المملكة المتحدة أعلى معدلات الإصابة في أوروبا؟    المملكة تحيي ذكرى «يوم شهيد الصحة»    تدشين حملة «صم بصحة» بتجمع تبوك الصحي    اليمنيون يقاومون حظر التراويح    4 غيابات في الهلال أمام باختاكور    بر سراة عبيدة توزع 1000 سلة غذائية    10 أعوام واعدة للسياحة العلاجية والاستشفائية بدول الخليج    أُسرتا كيال والسليمان تتلقيان التعازي في فقيدهما    وزير الشؤون الإسلامية يعتمد أسماء الفائزات على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن في دورتها ال 26    أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم    185 مليارا للمستشفيات والصناعات الطبية في 2030    3500 قطعة أثرية تحت المجهر    جزر فرسان عبادات وعادات    بعد سحب البرلمان الإيراني الثقة عن همتي.. وسائل إعلام إيرانية تؤكد استقالة ظريف    الصميدي يتبرع لوالدته بجزء من كبده وينهي معاناتها مع المرض    أمير تبوك يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك    بلدية محافظة الشماسية تضيء شوارعها ابتهاجاً بالشهر الفضيل    حرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على (5) مخالفين    «سكن» وبنك التنمية يوقّعان اتفاقية لتوفير 5000 وحدة سكنية    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد يعيد بناء مسجد القبلي على الطراز النجدي    أمير الرياض يستقبل المفتي العام ومحافظ الخرج ورئيس المحكمة    سعود بن نايف يطّلع على إنجازات القطاع الشرقي الصحي    نقل لاعب الزمالك السابق «إبراهيم شيكا» إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية    محمد بن فهد.. أمير التنمية والأعمال الإنسانية    تتزامن لأول مرة مع بداية رمضان آخر الفصول الدراسية اليوم    أمير منطقة مكة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة الطاعون وماركوس أوريليوس
نشر في الحياة يوم 09 - 05 - 2006

مدينة مقفلة البيوت. البيوت ليست فارغة. لكن الظلام هبط. نقفل الأبواب ونقفل النوافذ. الكهرباء مقطوعة. الكهرباء جاءت. المياه مقطوعة. المياه جاءت. طرطقة خارج الباب. ضجة في الشارع. أصوات وجلبة. من هؤلاء؟ هل قطعوا باب بيتنا؟ هل توقفوا عند الباب؟ صوت على الدرج. دعسات. همسات. قرقعة.
سلاح يقرقع؟ حديد على حديد؟ ماذا؟ المدينة ساكتة. انفجارات النهار ما زالت في البدن. الانفجار يترك ذكرى جسمانية. لكن الظلام هبط. في الحي المجاور حدثت أشياء قبل ليلة. رجال دخلوا بيوتاً، كسروا زجاجاً وأخذوا رجالاً. رجال يأخذون رجالاً. الى أين يأخذونهم؟ لماذا يطلبون هوياتهم؟ هل يرجعون؟ في الحي المجاور تبدو الوجوه تعبانة، مرهقة، زائغة العيون. في هذا الحي أيضاً يسيطر ترقب، يسيطر خوف، يسيطر وجوم.
المدينة مخطوفة. النهر يجري أسود المياه. أشباح غامضة تزرع ذعراً في البيوت. هل نعرف الأشباح؟ الموت يجول في الشوارع. منجل حاد يقطع الرؤوس. لا نرى المنجل. المنجل مرئي وغير مرئي. هل نرى المنجل؟ بروغل رسم المنجل في لوحاته. هل رأى بروغل ملاك الموت يقطع الحقول ثم يقطع المدينة من باب الى باب؟ نشر دانيال ديفو"يوميات سنة الطاعون"سنة 1722. وصف لندن يضربها الطاعون. البيوت مقفلة. عربات محملة بالجثث تقطع الطرقات. الخوف يخنق الأنفاس. الصدور ثقيلة والعيون ثقيلة والمخ ثقيل. قوة الجاذبية تتضاعف وقت الكارثة. بوكاشيو 1313 - 1375 وصف بيوض الطاعون. بيوض تظهر تحت الجلد. على الرقبة. تحت الابطين.
البريتانيكا القديمة الموسوعة البريطانية ما قبل الطبعة الحادية عشرة، طبعة 1910 - 1911 تصف عوارض الطاعون. اللسان يخضر ويصير خشناً مثل النبات الشائك. ثم الحلق يتورم. ديفو لا يهتم كثيراً بالوصف الجسماني. يهمه أكثر انعكاس الوباء في نفوس البشر. كيف تتغير ملامحهم النفسية. أسلوب تعاطي أحدهم مع الآخر. هل تتبدل لغتهم؟ شرابهم وطعامهم ونومهم؟ لا يكتب ديفو عن أجسام المطعونين فقط. يكتب الحالة النفسية العامة أيضاً. القول ان"يوميات سنة الطاعون"تصلح دليلاً الى أزمنة الاضطراب التي يعرفها العالم ماذا يفيدنا؟
ماذا تنفع الكلمات؟ الشعراء لماذا يكتبون شعراً؟ الروائيون لماذا يؤلفون روايات؟ ماذا تنفع الكلمات؟ شر كثير تحت الشمس. الجامعة بن داود مثل ماركوس أوريليوس نظر الى العالم فامتلأ قلبه غمّاً. يكتب أن نور الشمس حلو. ثم ينتبه الى ما يحدث تحت هذه الشمس. اذا انتبه سقط وجهه. عيناه تظلمان. لا يعود يرى نوراً. ماركوس أوريليوس ابن القرن الثاني للميلاد لم يكن فيلسوفاً. كان امبراطوراً. حكم الامبراطورية الرومانية 19 سنة ومات عن 59 عاماً. عرف الحرب والسلم. في الأماسي كان يقعد ويسجل أفكاراً على الورق.
بعد قرون طويلة قرأ تولستوي"تأملات ماركوس أوريليوس"فوجد فيها مفتاحاً. صاحب"موت ايفان اليتش"كرر قراءة ماركوس أوريليوس أثناء العقد الأخير من حياته انظر يوميات تولستوي ورسائله. هل لعب ماركوس اوريليوس دوراً في فرار تولستوي من بيته، في هروبه الى الموت سنة 1910؟ يستطيع القارئ أن يذهب الى"تأملات ماركوس أوريليوس"الكتاب العاشر، المادة الثامنة للعثور على جواب. لا يُعطى الجواب هنا. الأجوبة بلا معنى اذا لم ترتبط بمجهود. عليك أن تبحث. البحث جزء من الجواب. عوليس كامن فينا. هل نعرفه؟ هل نكتفي بمعرفة الاسم فلا نقرأ"الأوذيسة"؟ واذا قرأنا"الأوذيسة"ماذا يتبدل؟
قارئ"الإلياذة"يرى رجالاً يتساقطون في ساحة القتال. يكتب هوميروس عن لذة القتال. الاغريق تعلقوا بالحرب كأن الحرب رياضة. الطاعون ليس رياضة. الحروب الأهلية ليست رياضة. مدينة يخطفها الرعب. هل الرعب رياضة؟ جثث تظهر في الشوارع كل صباح. تطفو على صفحة النهر، ترتفع ثم تغوص ثم تعلق بأعمدة الجسر المعلق. هذه ليست سباحة. جثث مشوهة. هذه الأجسام كانت ملأى حياة قبل ساعة. كانوا بشراً. مثلنا يأكلون ويشربون ويتكلمون. اذا تعبوا ناموا. اذا جلسوا بين أصدقاء ضحكوا. الآن لا يضحك الواحد منهم ولا يعبس. خُطفوا وقُتلوا. لو كانوا خارج البيت تلك الساعة في تلك الليلة! لو كانوا خارج المدينة!
الموت يأتي في النهار أيضاً. سيارات تنفجر في شوارع مملوءة بشراً. سيارة تنفجر في سوق خضر. صناديق تتحطم وبضاعة تتطاير. البندورة والخيار والفجل والكمأة. الدخان يلف السوق والناس يركضون. اللون الأحمر على الوجوه، على الشعر، على الثياب، على الأصابع. القتل ليس رياضة. كل هؤلاء الناس! أعمار مقطوعة كالحطب. نار تحرق الطرقات، تحرق البنايات، تحرق الشقق. أين تهرب من الطاعون؟ بلا بيوض تنبت تحت الجلد يتعقبك الموت الى فراشك. ماذا صنعت؟ أي خطيئة ارتكبت؟ لماذا هذا العقاب الرهيب؟ لأنك وُلدت هنا؟ لأنك وُلدت في هذه العائلة في هذا البيت في هذه البلاد في هذه الساعة؟ ماذا صنعت؟ لماذا تُضرب على رأسك أمام أهلك وأولادك. لماذا تُجر من سريرك جرّاً، حافياً وبثياب النوم تجرّ من بيتك الى الطرقات المظلمة؟ أين يأخذونك؟ الهواء بارد يلسع عينيك. لكننا في الربيع. لكننا في الصيف. هواء بارد رطب يصفع كليتيك. لكننا في الربيع. لكننا في الصيف. هواء بارد وظلمة تدنو، باردة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.