كيف يؤثر القديم في الجديد؟ هل يترجم الجديد قديماً؟ ماذا يربط نصوص القرن الحادي والعشرين بنصوص القرن التاسع عشر؟ هل يكرر الأدب الأدب؟ هل يدور الادب في دائرة مقفلة؟ واذا كان القديم يصنع الجديد فكيف يكون الجديد جديداً؟ اليوت يقلب المعادلة. قال اليوت ان الجديد يخترع القديم. قال ان الكاتب الحديث يخترع أسلافه. بورخيس استعار عبارة اليوت ليكتب نصاً غريباً عن أدب كافكا. عدّد بورخيس في النص المذكور اساتذة سرّيين لكافكا. بورخيس لم يأتِ أبداً على ذكر تولستوي. لماذا يتجنب بورخيس تولستوي؟ انه يحصي مرة تلو مرة في قصص واستقصاءات وحوارات أساتذة ونصوصاً ومؤلفات من الشرق والغرب، من هذه العصور ومن عصور قديمة، لكنه لا يذكر تولستوي ابداً. ألم يقرأ بورخيس تولستوي؟ هذا يبدو خيالياً. هل قرأه ولم يحبه؟ لا يحصي بورخيس تولستوي بين اسلاف كافكا. عند بورخيس أسبابه. المنطق الذي يحكم نصّه عن كافكا وأسلافه قد لا يفسح مجالاً لذكر الكونت الروسي. ماكس برود في المقابل لا ينسى تولستوي. صديق كافكا وحافظ إرثه ذكر في هامش على يوميات صديقه ان كافكا تولع بتولستوي وقصص نهاية حياته. يبدو هذا غريباً. نقاد تولستوي يميلون الى أعماله الأولى لا الاخيرة. قرأ كافكا قصص تولستوي عن الفلاحين الروس وأساطيرهم كأنه يقرأ منامات. لم يكن مخطئاً. قصة"السيد والرجل"الترجمة الفرنسية جعلت عنوانها"السيد والخادم" تكفي دليلاً. رجلان يضيعان ذات ليلة في عاصفة ثلجية. مرة تلو مرة يعثران على قرية دافئة مضاءة النوافذ مملوءة بشراً وحساء حاراً وناراً. ينزلان في بيت. وصاحب البيت يقول:"ناما هنا هذه الليلة". لكن السيد عنده عمل في قرية اخرى ولا يريد اضاعة الوقت. يخرجان من جديد الى الطريق والعاصفة والبرد والليل اللانهائي. من جديد ترسلهما العاصفة بعيداً من الطريق. هل يموت السيد؟ هل يموت خادمه؟ القصة لا تنتهي بأسئلة. القصة تمنح القارئ جواباً قاطعاً. اذا كنا نمنع عنه هنا الجواب فلأن تولستوي يستحق القراءة. هل يذهب قارئ هذا العمود الى مكتبة ويبحث عن تولستوي ويقرأ القصة المذكورة؟ كتب تولستوي"السيد والرجل"سنة 1895. كافكا كتب الجزء الأكبر من اعماله بعد الحرب العالمية الاولى. في السنة الأولى من الحرب 1914 انفجرت فيه طاقة منعته من النوم وأرسلته الى الكتابة مثل كائن ممسوس. بدأ عدداً من القصص والروايات. أكمل قسماً. وترك قسماً. بين النصوص المتروكة غير المكتملة نعثر على جواهر. من يهتم بالجواهر؟ نحيا عصوراً استهلاكية فظيعة. الأدب الثمين يضيع في أمواج كتب تقذفها المطابع على الوجوه ليلاً نهاراً. من يقرأ نصوص كافكا القصيرة اليوم؟ الصحف تذكر اسمه. يذكرون رواياته ايضاً. لكن سرّ كافكا غير موجود في رواياته. سرّ كافكا في يومياته ونصوصه القصيرة. رواية كويتزي"في انتظار البرابرة"1980 تبدأ من قصة قصيرة لكافكا. مات تولستوي عجوزاً ومريضاً سنة 1910، لم يكن ضعيفاً. الانسان ضعيف. تولستوي عثر على القوة وهو يحدق الى اعماق العالم. أعماق العالم وأعماق الكائن البشري. كافكا قرأ تولستوي وهو يحيا في عالم صاخب عنيف. ماذا رأى كافكا وهو يعبر عالم المنامات والكوابيس، ماذا رأى عابراً هذا العالم؟ هل رأى جديداً؟ أم رأى قديماً يتكرر الى ما لا نهاية؟ حلقة العنف هي هي. صراع الانسان مع الوقت ومع اقرانه. البحث المتواصل عن توازن. الانسان ضعيف. نظر كافكا الى العالم ثم تراجع خطوة. عليه ان يعثر على قبو عميق. في القبو العميق يقعد ويكتب. ماذا يكتب؟ لا يكتب الا هذا العالم. يكتب جديداً؟ بالتأكيد. العالم نهر. هذا الماء ليس ذاك الماء. لا احد يدعس في النهر ذاته مرتين. بيار مينار يعرف هذا. نسخ"دون كيشوت"مرة فوجد الرواية تغيرت. لم تعد رواية سرفانتس. الجديد يكرر القديم ويغيّره. يمنحه حياة جديدة. اليوت يكرر دانتي.