هل هناك اقتراحات عمليه لمكافحة الإسلاموفوبيا يمكن استنباطها من خبرة الأقليات المسلمة بالغرب؟ وأخص هنا بالتحليل البيئة الأميركية لمعايشتي لها وخوفاً من التعميم الذي يتجاهل تعقد ظروف الأقليات المسلمة المنتشرة عبر الدول الغربية. الاقتراح المنطقي الأول هو أن نبني على ما انتهى إليه الآخرون، فهناك جهود علمية وعملية قائمة، ومن الضروري الوعي بتلك الجهود والبناء عليها ترشيداً للموارد. فالدراسات المختلفة التي أجريت على الأقلية المسلمة بأميركا تؤكد أن الحوار مع الآخر هو نشاط دائم لغالبية أكثر من ثلثي المساجد والمراكز الإسلامية في الولاياتالمتحدة، وأعلم من خبرات شخصية مباشرة أن المراكز والمؤسسات الإسلامية في الولاياتالمتحدة عادة تتلقى دعوات للحوار والتعريف بالإسلام تفوق طاقاتها الاستيعابية من حيث الموارد البشرية والمادية والمعرفية. هذا يعني أن فرص الحوار موجودة والمطلوب هو الاستغلال الجاد والواعي لتلك الفرص والبناء عليها من خلال جهود واعية ومنظمة. ويقودنا هذا للحديث عن الاقتراح أو الدرس الثاني، والذي يتعلق بأهمية البرامج في قضية الحوار مع الغرب والتعريف بالإسلام، فلكي تنجح أي جهود تعريفية بالإسلام - أو أي جهد بشري اجتماعي عموماً - لا بد من أن يعتمد هذا الجهد على منهج علمي يضع له أهدافاً محددة ومعايير لقياس مدى نجاح القائمين عليه أو فشلهم في تحقيق هذه الأهداف ومحاسبتهم إذا فشلوا. فالتشويه الذي تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة هو نتاج لأسباب تراكمت على مدى عقود إن لم يكن قرون، ومن ثم لا يجب لأحد أن يقترح أو يتصور أن مكافحة الإسلاموفوبيا ممكنة خلال شهر أو شهرين أو سنوات عدة، فنحن في حاجة لعقود من الجهد المنظم للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة، ومن ثم نحن في حاجة إلى برامج ذات أهداف إستراتيجية متوسطة وأخرى بعيدة المدى تطبق على مدى سنوات وعقود مستقبلية، وتقوم على رعايتها هيئات مستقرة وواعية وحريصة على استمرارها ونجاحها على رغم التحديات التي ستواجهها. ثالثاً: مكافحة الإسلاموفوبيا هي مهمة مؤسسات وليست مهمة أفراد، فللمؤسسة ذاكرة وقدرة على التنسيق والعمل تفوق قدرة الفرد الواحد على الرغم من أهمية المبادرات الفردية، ولكن المبادرات الفردية تظل دائماً في حاجة لمؤسسات ترعاها وتساندها وتقدم لها الدعم المادي واللوجستي الذي يتعدى إمكانات الفرد المستقل. ناهيك عن أن المجتمع الأميركي بطبيعته مجتمع ضخم أشبه بقارة منه بدولة، كما أنه يعج بآلاف المؤسسات المدنية مما يجعل تأسيس جهود مكافحة الإسلاموفوبيا ضرورة لا مفر منها في المجتمع الأميركي، فأصوات الأفراد قد لا تسمع بمجتمع عملاق مكتظ بالمؤسسات المدنية العنكبوتية والمتقدمة. رابعاً: تصميم برامج مكافحة الإسلاموفوبيا جهد متخصص يحتاج لخبرة شركات متخصصة في مجال العلاقات العامة والدعاية وذات خبرة في مجال تحسين العلاقة بين الجماعات العرقية والإثنية والدينية المختلفة بالمجتمعات الغربية المستهدفة. ويجب هنا ألا ننسى أن لكل مجتمع ثقافته وأدوات العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي المقبولة داخله والخطوط الحمر الثقافية العديدة المعلنة أو الضمنية التي قد لا يدركها سوى أبناء ذلك المجتمع. وبالطبع هذه الهيئات ليست جديدة على الساحة الأميركية نظراً لأن خبرة الأقليات الأميركية -? كاليهود والأفارقة الأميركيين - في التعامل مع هذا النوع من المنظمات وتطويرها هي خبرات واسعة ومعروفة وذات أطر علمية تدرس، كما أن لمسلمي أميركا الآن أكثر من منظمة عاملة في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمن على الأقل. ولو حاولنا - على سبيل المثال - أن نضع أطراً عامة لبرنامج مقترح لمكافحة الإسلاموفوبيا لأمكننا البدء باستطلاع مفصل لموقف الرأي العام الأميركي تجاه الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية كير - وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأميركية - في آذار مارس 2006 الاستطلاع حدد بوضوح الفئات التي تميل الى النظر للإسلام في شكل إيجابي، وعلى رأسها الأميركيون الذين يمتلكون أصدقاء ومعارف مسلمين، والأميركيون الذين يمتلكون قدراً أكبر من المعرفة بالدين الإسلامي، والأميركيون الأعلى تعليمياً، والأميركيون من أصحاب الرؤى الليبرالية. في المقابل يميل الأميركيون المحافظون وغير المتعلمين وقليلو المعرفة بالإسلام والأقل اتصالاً في شكل مباشر بالمسلمين للنظر في شكل سلبي للإسلام والمسلمين. إضافة إلى ما سبق سأل الاستطلاع المشاركين فيه عما ينتظرونه من المسلمين، فقالوا إنهم يريدون من المسلمين أن يدينوا الإرهاب بشكل أقوى وأعلى صوتاً، وأن يظهروا اهتمامهم بتحسين ظروف المرأة المسلمة، وأن يساعدوا على تحسين صورة أميركا في العالم الإسلامي، وأن يعبروا عن اهتمامهم بقضايا المجتمع الأميركي الداخلية، وأن يؤكدوا على القيم التي تجمعهم بالمجتمع الأميركي. النتائج السابقة مهمة على مستويات عدة، فهي تقول إ أي برنامج ناجح لمكافحة الإسلاموفوبيا في أميركا لا بد من أن يضع من بين أهدافه إيجاد فرص للتواصل الإيجابي المباشر بين المسلمين والشعب الأميركي، وزيادة معرفة الأميركيين بالإسلام. كما ينبغي على هذا البرنامج أن يعمل على كسب مزيد من الأصدقاء من بين الليبراليين وأصحاب التعليم العالي في أميركا بحكم أن هذه الفئات أكثر استعداداً لتقبل المسلمين ورؤاهم، كما ينبغي على البرنامج نفسه أو غيره من البرامج المكملة له أن يقلل من مخاوف المحافظين وقليلي المعرفة من الإسلام والمسلمين. على صعيد رسالة هذا البرنامج الإعلامية والفكرية، يجب - كما يوضح الاستطلاع بجلاء - أن يركز على توضيح موقف الإسلام المدين للإرهاب، وعلى توضيح اهتمام المسلمين بقضايا المرأة وبقضايا المجتمع الأميركي الداخلية، وعلى حرص المسلمين على مكافحة مشاعر العداء لأميركا في العالم الإسلامي، هذا إضافة إلى التركيز على القيم المشتركة بين الإسلام والمسلمين من ناحية والمجتمع الأميركي من ناحية أخرى. وبالطبع تحتاج هذه البرامج لأدوات تطبقها على أرض الواقع في مرحلة التطبيق شديدة الأهمية، وتتراوح هذه الأدوات بين الإعلانات، وحلقات النقاش، والتقارير التي ترصد الإسلاموفوبيا وترصد تطورها ومصادرها، وربما العمل مع السياسيين لتسليط الضوء على تبعات الإسلاموفوبيا على حقوق وحريات مسلمي أميركا. صياغة مثل هذه الأدوات عملية صعبة تحتاج للتمكن من مهارات مختلفة تتعلق بمخاطبة الرأي العام الأميركي، ولكنها ليست عملية مستحيلة، المهم هنا أن تقوم على ذلك مؤسسات متخصصة ذات خبرة كافية في العمل داخل المجتمع الأميركي ذاته، وأن تطور هذه المؤسسات برامج محددة ذات أهداف ومعايير للمحاسبة، وأن تقوم على هذه البرامج مؤسسات معنية بالحوار بين المسلمين والشعب الأميركي تضمن لهذه البرامج النجاح والاستمرارية. في النهاية نتمنى أن تكون هذه السطور مفيدة للمنابر المتزايدة المعنية بتشجيع الحوار بين المسلمين والغرب ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما نأمل في أن تمثل هذه المقالة دافعاً لتلك المنابر لكي تتحول من مستوى النقاش حول هذه الظاهرة المهمة والخطيرة، لمستوى تطوير برامج علمية عملية لعلاجها. باحث عربي مقيم في واشنطن