حسناً فعلت أبوظبي حين استضافت وفود الأقليات المسلمة التي شملت قيادات دينية وشخصيات سياسية، وعلمية، وإعلامية، قدِموا من أكثر من 149 دولة، من مشارق الأرض ومغاربها، تحت مظلة المؤتمر العالمي للأقليات المسلمة، مؤكدة الرغبة في تعزيز انتماء المسلمين إلى بلدانهم، وتعزيز هويتهم الإسلامية. وخرج المؤتمر بتوصيات ركزت على ضرورة انتقال تلك المجتمعات من «فقه الضرورة» إلى «فقه المواطنة»، أي الاندماج مع المحافظة على هويتهم، وعدم ذوبانها بالكامل في مجتمعاتهم الجديدة. ولقد أوصى المشاركون باتخاذ عدة خطوات عملية، كاتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الظروف المسببة لانتشار التطرف والإرهاب؛ ومضاعفة جهود المنظمات الدولية المعنية بالشأن الثقافي لتعزيز الحوار، والتسامح، والتفاهم بين الأديان والحضارات، وحض القيادات السياسية والدينية من المسلمين على الامتناع عن خطاب التعصب ورسائله، والحض على تشجيع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الإعلام المختلفة، لتغطية أخبار مسلمي البلدان غير الإسلامية، وتفعيل مجموعة من برامج التدريب لمجموعة من المؤثرين وقادة الرأي في المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، لنشر ثقافة التعايش المشترك والتسامح؛ وحض رجال الأعمال والمؤسسات المانحة على دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز قيم التعايش المشترك. وكانت لفتة موفقة من رئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر الدكتور علي النعيمي حين شدد على ضرورة الانتقال من فقه الضرورة إلى فقه المواطنة، معتبراً أن فقه الضرورة «كان مصطلحاً خاصاً بمكان وزمان معينين، والآن أصبح المسلمون جزءا ومواطنين في مجتمعاتهم». وكشف النعيمي أن المجتمعات المسلمة في الخارج كانت تواجه خياري الذوبان والانكفاء، موضحاً أن كليهما سيئان، ما يعني أن عليها إعادة التموضع والاندماج في مجتمعاتهم الجديدة التي يعيشون فيها، مع المحافظة على خصوصيتهم. وهنا لا يفوتني الإشارة إلى أن رابطة العالم الإسلامي بحضور أمينها العام محمد العيسى جمعت قيادات الجاليات الإسلامية حول العالم في شهر رمضان الماضي 2017، في مكةالمكرمة لتعزيز رؤيتها الجديدة بشأن الوعي الديني والفكري والحضاري وضرورة الاندماج الإيجابي لدى الأقليات المسلمة في بلدانها، محذرة من فقه التشدد ورسائل التطرف. ومن أهم الجوانب التي أتاحها مؤتمر أبوظبي وتناولها، تشديد مشاركين كثر على «اختطاف جماعات الإسلام السياسي»، خصوصاً الإخوان المسلمين للإسلام مع وجود حركات لا تؤمن بشيء اسمه النظام أو الدولة، بل تؤمن بالفوضى والتخريب وترويج التشدد. ولا شك في أن تمدد جماعة الإخوان في عدد من دول أوروبا، تحت ستار اللجوء السياسي، ما زاد مخاوف السكان الأصليين من وجود تلك الأقليات المسلمة بفعل نشاط الأذرع الأخطبوطية لما يسمى التنظيم الدولي للجماعة، وهذا ما انعكس عليهم في ما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا، والكراهية المتزايدة. ولا يغيب عن البال أن معظم جماعات العنف وحركات التطرف التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية خرجت أساساً من أدبيات جماعة الإخوان، وهو أمر يتطلب المواجهة ووقفة حازمة من قادة الأقليات المسلمة في أوطانهم الجديدة.