لا ينكر النقابي حنا غريب ان في النزول الى الشارع"مخاطرة لكن كان لا بد منها لإسماع وجعنا الى المعني الاول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة". ولم يكن همه بعد انتهاء التظاهرة التي اجتازت قلب بيروت بعد ظهر امس، معرفة عدد المشاركين فيها، يكفيه كما يكفي غيره في"هيئة التنسيق النقابية"الذين ساروا في التظاهرة"ان الفقراء نزلوا الى الشارع بغض النظر عن وعيهم الثقافي فليس مهماً كثيراً ما قالوه بقدر اهمية وجودهم في الشارع لأن لا شيء نخسره بعد اليوم، اما نحن او هم". لكن هل ان حسابات الاحزاب التي شاركت في التظاهرة عبر انصارها تشبه حسابات النقابيين؟ باستثناء عملية الانضباط التي نجح في تطبيقها اكثر من ألفي عنصر من"حزب الله"فإن الفارق كان شاسعاً بين ما نزل من اجله النقابيون وما نزل من اجله انصار الاحزاب الممثل بعضها في حكومة كانت تُشتم على ألسنة هؤلاء. منذ اللحظة التي بدأ المتظاهرون يتجمعون فيها على جسر البربير وسط اجراءات أمنية غير مسبوقة للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي بدت صعوبة المهمة الموكلة الى المكلفين ضبط الهتافات والشعارات والرايات، فالقادمون من ضاحية بيروت الجنوبية كانوا يهتفون"الله ونصر الله والضاحية كلها"، وپ"بري ونصر الله والرابية كلها"، وپ"على أجرو الكراسي، ميشال عون على راسي"وپ"بالطول والعرض الشيعة نص الارض". ولم يتوقف العشرات عن الهتاف لپ"الجنرال"على ايقاع أصوات الطبل الذي اصطحبوه معهم بل ان هؤلاء لبسوا قمصاناً برتقالية اللون او لفوا اعناقهم بشالات من اللون نفسه، شعار"التيار الوطني الحر"الذي كان طلب من انصاره"عدم ارتداء او استعمال أي شعار حزبي خلال التظاهرة". كما اصطحب المتظاهرون معهم رايات لپ"حزب الله"وحركة"أمل"الى جانب الاعلام اللبنانية، وكان على عناصر الانضباط جمع الرايات واستبدالها بالعلم اللبناني، لكن بقيت القبعات التي تشير الى الانتماء الحزبي والقمصان التي طبعت عليها الرموز الحزبية، وبح صوت النقابي الذي اعتلى شاحنة وحمل مكبراً وهو يكرر مطالباً"الشباب بالالتزام بهتافات المسيرة والتأكيد اننا ننتمي الى كل لبنان وليس الى طائفة او مذهب او منطقة"، وراح يردد النشيد الوطني لتوحيد الحناجر على هتاف واحد. شبان من الضاحية قالوا انهم ارتدوا اللون البرتقالي لأنهم يحبون"الجنرال الذي يحبه السيد"حسن نصر الله، لكن المجموعة التي جاءت من البزالية في منطقة الهرمل لم تعط تفسيراً لسبب اطلاقها هتاف"بالروح بالدم نفديك يا بشار"الأسد. كان الألوف يتقاطرون الى البربير سيراً على الأقدام من محلة الكولا التي تحولت الى موقف للباصات التي حملت متظاهرين من بلدات وقرى جنوبية ولا سيما من قضاء صور ومن صيدا، ومن محلة الطيونة التي تحولت الى محطة تجمع اخرى للقادمين من البقاع والضاحية الجنوبية، اما من محلة المتحف فكان القادمون على مستوى أفراد متفرقين جاء بعضهم من الفنار ومن كفرشيما وجونيه وجلهم من"التيار الوطني الحر"، فيما كان التجمع الاساسي للتيار في محلة السوديكو وساحة الشهداء حين تقدموا من هناك في اتجاه ساحة رياض الصلح محطة التجمع الاخيرة للتظاهرة وبقوا في زوايا محددة من دون ان يشاركوا الآخرين هتافاتهم، وانضم الى المتظاهرين اثناء مسيرتهم مجموعات من تيار"المردة"وپ"حركة الشعب"وعلى رأسها النائب السابق نجاح واكيم ومن أنصار النائب السابق طلال ارسلان، فيما سارت شخصيات سياسية في شكل متفرق بين المتظاهرين، وأمكن تسجيل حضور النائب السابق زاهر الخطيب والوزير السابق عصام نعمان، كما اخترقت المتظاهرين سيارتان تحملان لوحة زرقاء تحمل الرقمين 59 و78 وتعودان الى النائبين في"كتلة الوفاء للمقاومة"أمين شري ونوار الساحلي. وغاب عن التظاهرة أنصار"جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية"الأحباش بقرار من الجمعية التي اكتفت ببيان يؤيد المطالب المعيشية. هتافات وشتائم التظاهرة التي كان مقرراً لها الانطلاق في الثالثة بعد الظهر تحركت قبل موعدها بنصف ساعة تحت ضغط تدافع الحشود، وبدا صعباً على هيئة التنسيق النقابية، تصدر المقدمة، وسارع منظموها الى رفع اللافتات التي اعدت سابقاً، فحملت شعارات"حقوقنا المكتسبة خط أحمر"،"أيها المواطنون تضامنوا مع أنفسكم"،"كل لبناني صاحب ضمير ووجدان يقول ان مطالبنا محقة"،"ابتسم انت لبناني: مشروع لبناني شحاذ"،"من سرق المال العام الفقراء أم حيتان المال"،"لا إصلاح اقتصادياً من دون اصلاح سياسي"،"ارفعوا ايديكم عن لقمة عيشنا"،"أوقفوا الهدر والفساد والمحاصصة والمحسوبية"،"افرضوا الضرائب على المؤسسات ذات الربح الفاحش وكبار المتمولين"،"لا لإلغاء قانون التناقص في ساعات التدريس"، وپ"الحفاظ على الحقوق المكتسبة في تعاونية موظفي الدولة وصندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية". بين المتظاهرين طلاب مدارس رسمية وطلاب الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية ومعلمون وعمال وربات بيوت وموظفون في مؤسسات رسمية وخاصة، لكن بين المتظاهرين ايضاً عاطلون عن العمل وعاملون في مهن هامشية، والتنوع في المشاركة عبر عن نفسه في نوعية الهتافات التي اطلقت ورددها البعض وخجل منها البعض الآخر، وقالت طالبة من الجامعة اليسوعية انها مستقلة وجاءت الى التظاهرة لأنها تدرك اهمية المطالب المعيشية، لكن الهتافات انحرفت عن الهدف الذي جاءت من أجله فقررت الانسحاب مع رفيقاتها. تجاوزت هتافات عدة المضمون المطلبي وحتى السياسي الى ما يشبه الشتائم ولم يسلم منها لا رئيس الحكومة ولا رئيس كتلة"المستقبل"سعد الحريري ولا رئيس"اللقاء الديموقراطي"وليد جنبلاط ولا رئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"سمير جعجع، وطالت الشتائم ايضاً"أبو بهاء". وإذا كان هتاف"اخضر أصفر ليموني بيسقطو ها الحكومة"بقي في اطار اهداف التظاهرة، فإن الطابع السياسي لم يخل من هتافات اخرى مثل"الليلة عيد الليلة عيد بدنا نجدد للحود عهد جديد"،"عون ونجادي وبري وأبو هادي"وپ"أي ويلا اميركا طلعي برا". حمل متظاهرون أرغفة خبز باتت شعاراً مرافقاً في شكل دائم للتظاهرات العمالية. وحين رشقت سيدة واحدة من مبنى يقع على كورنيش بشارة الخوري المتظاهرين بحبات الرز، فيما اكتفى سكان المباني الموازية للكورنيش بالتفرج، خاطبها احد المشاركين في التظاهرة من مكبر الصوت"خبي الرز يا حجة، مع هيك حكومة رح نعوز كل حبة رز وسكر". في ساحة رياض الصلح حاول شبان استبدال العلم اللبناني على العصي التي معهم برايات حزبية اخرجوها من جيوبهم، لكن عناصر الانضباط كانوا بالمرصاد وجمعوا العصي التي قدرت بالعشرات، وتمكن متظاهرون من رفع صور للسيد نصر الله وعون. الوحدة النقابية وحاول رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن اعتلاء المنبر لإلقاء كلمة غير ان حنا غريب الذي يترأس رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي منعه، لأن المقرر هو كلمة"هيئة التنسيق النقابية"فقط كونها المنظمة الداعية الى التظاهرة. وشدد غريب في الكلمة على ضرورة"الغاء مشروع التعاقد الوظيفي نهائياً وفي الفئات الوظيفية كافة وليس فقط سحبه من التداول كي يعودوا مرة اخرى ويطرحوه من جديد. وطالب"بالغاء الزيادة في دوام العمل من دون مقابل وحماية الحقوق المكتسبة والغاء زيادة الضرائب والرسوم التي يحاولون فرضها". ودعا"الى الذهاب في اتجاه الاصلاح الاداري الحقيقي الذي يبدأ بمنع التدخل السياسي في الادارة العامة وسحب الغطاء السياسي عن المتسببين بحالات الهدر والفساد". ورأى"ان الممارسات ذاتها تتكرر، كانوا يقمعون التحركات الشعبية بحجة اساءتها للأمن القومي والاقتصادي واليوم يتهموننا بتلقي التعليمات ممن كانوا يتلقون الامر منهم لقمعنا في السابق". وخاطب غريب النقابيين الذين قاطعوا التظاهرة بپ"اننا نتفهم الظروف التي احاطت بقرارهم ونتفهم مقدار ما يعانونه من قلق على مصير هيئة التنسيق وما يعيشونه من تناقض بين انحيازهم الصادق لوحدة هيئة التنسيق وبين الضغوط السياسية التي يتعرضون لها". مؤكداً"ان الهيئة ستبقى واحدة موحدة". وأصر غصن على القاء كلمة رفض فيها تخصيص"قطاعاتنا وهضم حقوق العمال والموظفين". ورأى"ان التعاقد الوظيفي مشروع لتفكيك بنية الدولة لحساب الشركة". لم يكترث النقابيون كثيراً لعدد المتظاهرين الذي كان هم الحكومة والمعارضة احصاءهم لاحتساب"الاكثرية". المشاركون في التظاهرة غادروا ساحة رياض الصلح قبل ان ينتهي الخطباء من كلماتهم على اعتبار انهم انجزوا ما طلب منهم، فيما بقي النقابيون في مواقعهم يبحثون عن مخرج جديد لمآزق كثيرة.