دخل اعتصام قوى المعارضة اللبنانية المفتوح في وسط بيروت لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومه الثاني أمس من دون ان يلوح في الأفق ما يشي بحلول قريبة. وفرغت المقاهي والمحال التجارية من روادها فيما ارتفعت الأصوات في الشوارع ومواقف السيارات بالهتافات المتقطعة على"دويّ"قرع الطبول. وطوال النهار كانت وفود تأتي الى المنطقة وأخرى تغادر في اتجاه الضاحية الجنوبية"الخزان"البشري الأكبر للاعتصام. وبلغ الحشد ذروته مساء مع المهرجان الخطابي الذي تحدث فيه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو. فمنذ مساء أول من أمس، اكتسبت المنطقة الممتدة من اسفل جسر فؤاد شهاب حتى جامع محمد الأمين، طابعاً مختلفاً. زرعت الساحات الخضر المنتشرة على جوانب الطرق نزولاً وصعوداً بالخيم التي وزعها المنظمون على مناصريهم. وحتى مساء أمس، كانت أسافين خيم جديدة تدق كل حين. حتى حديقة الصيفي الصغيرة المزينة بالعشب الأخضر والإنارة الملونة لم تسلم من المناسبة، وآوت عدداً لا يستهان به من الخيم والمعتصمين. وعلى رغم مطالبة المنظمين مناصريهم بالتزام الشعارات الموحدة وعلم لبنان، إلا أن هوية قاطني الخيم كانت جلية: غلب اللون البرتقالي وشعار"التيار الوطني الحر"على خيم العونيين الذين قطنوا الساحة القريبة من كنيسة الأرمن والصيفي. وارتفعت صور العماد ميشال عون على السيارات المركونة إلى جانب الرصيف، فيما بثت مكبرات الصوت خطاب عون الأخير، وقد اجتمع أنصاره، يلفون حول رقابهم شارات"التيار"، يستمعون إليه. قضى بشير سلامة ورالف سلوان ليلتهما أول من أمس هنا. ويقول الشابان انهما سيبقيان هنا إلى أن يستقيل السنيورة، لأنه:"ندرس ونأخذ شهادات ولا نجد عملاً". كلام الشابين هذا يبدو منطقياً، لكنه ليس من ضمن مطالب المعارضة السياسية. يستدرك بشير الأمر، فيفسر:"إذا حصلنا على قانون انتخاب عادل يمكن أن تحل كل مشاكلنا"، ويضيف رالف:"الجنرال صادق وليس من هواة السلطة، هو يريد شراكة مع كل الباقين. وإذا نجحت مطالب المعارضة ممكن نصير نلاقي شغل". ثم يعلن الاثنان انهما سيذهبان من الساحة إلى الجامعة ويعودا،"تماماً كما فعلنا في 14 آذار". وخلف الشابين تظهر خيمة كتب عليها:"حركة الشعب". في الساحة الواقعة وسط الطريق ذي الاتجاهين تطغى خيم"حزب الله"وحركة"أمل"وپ"المردة"وأنصار طلال ارسلان الذين الصقوا صوره على إشارات المرور. على الخيم أيضاً تكتب شعارات مثل:"حب إلى الأبد"ومقتطفات من خطابات الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ويرسم سيف الإمام علي وتلصق صور ارسلان وفرنجية وعون. وتعبق الأجواء برائحة المعسل المنبعثة من الأراكيل المنتشرة في كل مكان. في هذه الخيم يوجد"الطبل والدربكة"ويصل صدى قرعهما إلى المباني المجاورة، وعلى وقعهما يتولى منظمون توزيع وجبات الغداء على المعتصمين الذين انصرف عدد منهم لتأدية الصلاة في الساحة. على الرصيف المقابل يكدس باعة المياه بضاعتهم فوق بعضها بعضاً. بائع الفول والترمس، واكسبرس القهوة والشاي عناصر مستجدة على المنطقة. كذلك بائعو الكعك، وبائعة البسكويت التي افترشت الأرض، وذلك الصبي يلوح بيده فيرسم بالمنقل وفيه الفحم المشتعل دائرة في الهواء. موقف السيارات في الجانب الآخر من الشارع مقابل بناية اللعازارية كان يعج بالسيارات، قبل أن تركن فيه الخيم. هناك لم نجد المسؤول عن الموقف ليخبرنا أين ذهب العاملون فيه وكيف جرى التنسيق مع القائمين عليه. وبعيداً منهم تبدو غرف بلاستيكية وضعها المنظمون لتستخدم كحمامات. يطل الموقف من إحدى جهاته على جامع محمد الأمين الذي كان يحاول ظهر أمس، مجموعة من الصبية تسلق جداره، للوصول إلى النافذة. على الأرض أمامهم كانت مجموعة أخرى تطلق الشتائم المغناة لقوى 14 آذار من دون أن تفضل أحداً. إلا أن عناصر الانضباط كانوا دوماً بالمرصاد. في ساحة رياض الصلح تقف سيارات الدفاع المدني وعناصره. عمال"سوكلين"يعملون على مدار الساعة هنا لرفع النفايات عن الأرض. وتصدح الأغاني المستوحاة من المناسبة في الأرجاء كل الوقت. تلي خطاب بري المسجل أغنية حماسية تثير حماسة الحاجة المتشحة بالسواد في موقف السيارات في ساحة رياض الصلح، فتقف وتلوح بيديها وكتفيها بحركات راقصة. الزحمة الشعبية الفائقة، طابع مستجد على ساحة رياض الصلح أيضاً. لا شيء فيها ومن ساحة الشهداء عاد يشبه نفسه. هنا الأعلام الحزبية تلوح كل الوقت. وعلم لبنان رفع على تمثال رياض الصلح الذي يتسلقه الأولاد، بينما تتجه الأنظار كل حين ناحية السرايا الحكومية، حيث يحاول البعض اجتياز الشريط الشائك الذي وضعه الأمنيون لمنع المتظاهرين من الوصول الى السرايا. أسفل التمثال يجلس علي وحسين اللذان انهيا للتو دوامهما المدرسي وجاءا للمشاركة."نتظاهر لنسقط الحكومة، ويتحسن الوضع المعيشي"، يقول علي، مؤكداً نيته وصديقه البقاء في الساحة الى حين تحقيق المطالب. يعرف الصبيان انهما قد يخسران سنتهما الدراسية، لكن حسين يوضح أن"مش مهم. المهم ننقذ البلد"! عبد الله فقيه أيضاً ترك بيته في النبطية أول من أمس. يعمل الرجل الخمسيني في شركة صناعة المعادن، وهو بات ليلته الأولى مع المتظاهرين. يؤكد فقيه انه مستمر بالاعتصام حتى"تغيير الوضع السيئ الحالي إلى احسن: تحسين المعيشة والمدارس والمستشفيات وتحقيق التعددية". في هذه البقعة حيث غلبة للمراهقين والشبان لا تسلم الفتيات من التحرش الشفوي. ووقاحة بعض الشبان تفلت كثيراً هنا من رقابة عناصر الانضباط وخصوصاً في الأمسيات.