الإدارة الأميركية تقتل العراقيين وتجوع الفلسطينيين وتهدد الإيرانيين، وحيث هناك مشكلة لشعب مسلم او حكومة، فالإدارة الأميركية هي الطرف الآخر فيها، غير انني لا أتهم جورج بوش او كوندوليزا رايس وإنما أقول: عندي نصيحة للرئيس بوش: اطرد نائبك ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، لأن تبديل الناطق باسم البيت الأبيض، او تغيير صلاحيات احد موظفي مكتبك، أو حتى الاستغناء عن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية لن يعيد الى إدارتك شعبيتها الضائعة، فالمشكلة هي في هذين المتطرفين اللذين لم يغادرا الحرب الباردة. شعبية الرئيس بوش هبطت الى 36 في المئة، وهو ادنى رقم يسجل لرئيس باستثناء ريتشارد نيكسون في ذروة فضيحة ووترغيت سنة 1974. غير ان شعبية ديك تشيني دون 20 في المئة، وهو يجر الرئيس الى القعر معه، إن لم يتخلص منه الرئيس من الرحى حول عنقه قبل فوات الأوان. تشيني وقح بشكل استثنائي، وهو الأسبوع الماضي هاجم روسيا والرئيس ألكسندر بوتين، فقال ان الحكومة الروسية"قلصت في شكل غير عادل ومُسيء"حقوق الناس، وأنها تستخدم مواردها الهائلة من النفط والغاز"وسائل تهديد وابتزاز"لجيرانها. تشيني آخر من يحق له ان يتكلم عن الحريات، فهو ورامسفيلد وراء تقليص الحريات الأميركية التاريخية العظيمة، ووراء التنصت على مهاتفات المواطنين، ووراء تعذيب الأسرى والمعتقلين حول العالم. هما قادا عصابة المحافظين الجدد في تضخيم، أو تلفيق، معلومات الاستخبارات عن العراق لشن حرب غير مبررة قتل فيها حتى الآن مئة ألف عراقي وأكثر من 2400 اميركي. وهما اضطهدا العرب والمسلمين في الولاياتالمتحدة فكان ان ثمانية آلاف شاب عربي أو مسلم خضعوا للتحقيق، كما أرغم 80 ألفاً آخرون على تقديم صورهم وبصمات أصابعهم الى دوائر الهجرة، وفي النهاية لم يتهم أي واحد من هؤلاء جميعاً بأي تهمة. كانت الحريات جزءاً من كلام تشيني اما الجزء الآخر فكان عن النفط والغاز كأداة ابتزاز. من يقول هذا؟ يقوله متطرف يقود عصابة خططت لحرب على العراق لخدمة اسرائيل، أو للاستيلاء على نفطه، وتهديد الشرق الأوسط كله، او للسببين معاً، فلا يوجد سبب ثالث. وكانت الدراسة المشهورة"اللوبي الإسرائيلي"اعطت اسرائيل سبباً، ورد مفكرون كثيرون مثل نوعام تشومسكي مشيرين الى النفط، ويستطيع القارئ ان يختار فلا سبب ثالثاً هناك. روسيا بوتين ليست بلداً يدافع عنه، ولا أفعل هنا، فأنا لا أنسى شعب الشيشان، غير ان روسيا لم تهاجم بلداً آخر لسرقة نفطه، ولم تزايد على صدام حسين نفسه في القتل والتدمير، وتشيني يرى القشة في عين بوتين ولا يرى الخشبة في عينه. تشيني هاليبرتون مجبول بالتطرف، فهو في مقابلة مع مجلة"فانتي فير"تحمل تاريخ الشهر المقبل يصر على ان الإدارة لم ترتكب خطأ في العراق، مع ان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قالت ان الولاياتالمتحدة ارتكبت آلاف الأخطاء التكتيكية، ثم يقول:"قمنا بما يجب القيام به". فهمت ما يجب القيام به على انه قتل العراقيين، وأخطر ما في هذا الموقف ان عدم الاعتراف بالخطأ يعني الاستمرار فيه، فلماذا تصلح الإدارة وضعاً لا خطأ فيه. رامسفيلد ايضاً لم يعتذر عن شيء بعد ولم يتراجع فهو مع تشيني يترأسان عصابة CABAL المحافظين الجدد التي دبرت حرباً غير مبررة، فلا اسلحة دمار شامل ولا علاقة مع القاعدة. وكلنا يعرف الآن ان رامسفيلد أشرف على مكتب الخطط الخاصة في وزارته الذي اسسه بول وولفوفيتز وترأسه دوغلاس فايث، حيث قدمت معلومات جواسيس ومتعاملين كبديل لمعلومات الاستخبارات التقليدية التي تقدم المطلوب لتبرير الحرب. وأكتفي هنا بالكولونيل لورنس ويلكرسون، مدير مكتب كولن باول، الذي قال في مقابلة تلفزيونية اميركية في شباط فبراير الماضي ان العصابة خطفت معلومات الاستخبارات وضغطت على وزير الخارجية في حينه فكان ما كان من خطابه المشهور في الأممالمتحدة الذي قال باول بعد ذلك انه كان ادنى نقطة في حياته المهنية. رامسفيلد في وقاحة تشيني او أوقح، اذا كان هذا ممكناً، وعندما تحداه محلل الاستخبارات راي ماكغفرن خلال اجتماع عام سائلاً:"لماذا كذبت لإقحامنا في حرب أوقعت مثل هذه الخسائر ولم تكن ضرورية؟"أنكر رامسفيلد ان يكون كذب مستشهداً بباول نفسه، مع ان هذا كان ضحية دعاة الحرب، كما يظهر من كلام مساعده ويلكرسون. مع استقالة بورتر غوس من رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية ترددت اخبار عن خلاف له مع جون نغروبونتي، مدير الاستخبارات الوطنية، فقد انتزع هذا صلاحيات كثيرة من رئيس سي آي ايه، بما في ذلك تقديم تقرير الاستخبارات اليومي الى الرئيس. غير ان النزاع الحقيقي هو بين رامسفيلد ونغروبونتي فوزير الدفاع يسيطر على اكثر من 80 في المئة من موازنات اجهزة الاستخبارات والأمن التي تبلغ 16 ليست وكالة الاستخبارات المركزية أكبرها أو أهمها، فمع ان الموازنات لا تذاع رسمياً إلا ان معلومات كثيرة متوافرة عنها، وهي تظهر ان وكالة الأمن القومي التي تتنصت على المكالمات في الولاياتالمتحدة وعبر العالم هي الأكبر. اليوم، وعلى رغم ما حدث في العراق ودور تشيني ورامسفيلد على رأس عصابة الشر نجد أن وزير الدفاع لا يزال مصراً على الإشراف المباشر على معظم اجهزة الاستخبارات، ويحاول تقليص دور مدير الاستخبارات الوطنية، وهو منصب حديث يهدف الى التنسيق بين الأجهزة المختلفة لمنع تكرار ما حدث في العراق، فكأن رامسفيلد يخطط لتلفيق جديد يستهدف ايران. أعود الى ما بدأت به، فالرئيس بوش لن يحل مشاكله بتغيير أشخاص، وإنما بتغيير السياسة الكارثة، وهذا لن يتم إلا اذا طرد المسؤولين عنها وإذا اختار كوندوليزا رايس نائبة له فهو سينفع نفسه وبلده. وأجد الطرد غير كاف إذ تجب محاكمة المجرمين على جرائمهم غير انني اريد التعجيل بالطرد لأنني أخشى ان يكونوا في سبيل ارتكاب المزيد.