نائب الرئيس ديك تشيني يبيع الأميركيين كوابيس. الصحف الأميركية لاحظت أن تشيني يخوّف الأميركيين ليقنعهم بأن ينتخبوا المرشحين الجمهوريين في انتخابات الشهر المقبل، ما ذكرني ببرنامج وثائقي مشهور بعنوان"قوة الكوابيس"انتجه وأخرجه آدم كيرتس لتلفزيون"بي بي سي"، وفكرته أن السياسيين في الماضي كانوا يعدون المواطنين بتحقيق أحلامهم، وبتحسين سوية عيشهم، وبالسمن والعسل، والآن أصبحوا يزعمون أنهم يحمون المواطنين من أخطار داخلية وخارجية، خصوصاً خطر الارهاب. إذا فكرنا مليّاً في الموضوع نجد أننا أمام معادلة طرفاها ارهابيان، فكل منهما يبرر وجود الآخر، ويمنحه الأعذار لتطرفه. تشيني يعمل هذه الأيام لجمع التبرعات من أثرياء صناعة النفط أو شركات الأدوية للإنفاق على حملة الانتخابات للجمهوريين، ورسالته تكاد تكون واحدة من خطاب الى خطاب، فهو يقول ان العدو لا يزال فتاكاً ويحاول ضربنا من جديد، ويحذر من قتلى بالجملة في الولاياتالمتحدة، ويكمل بعد هذه الصورة المرعبة بالإصرار على أن جورج بوش يحمي الأميركيين، في حين أن سياسة الديموقراطيين ضعيفة، أو نوع من المغامرة بالأرواح. ديك تشيني متطرف بامتياز وهو رئيس العصابة اليمينية التي خطفت السياسة الخارجية الأميركية، واستخدمت غدر الإرهاب لبناء أمبراطورية عالمية جديدة، أو"روما"ثانية، وهي تستخدم اسرائيل رأس حربة في الشرق الأوسط وتخوض حروبها نيابة عنها. الرئيس بوش لا يعرف، ويبدو أنه غير قادر أن يتعلم، ولكن لا عذر لتشيني وحليفه في قيادة العصابة دونالد رامسفيلد الذي بدأ تشيني عمله السياسي في مكتبه عندما كان جزءاً من ادارة جيرالد فورد، وخلفه كبيراً لموظفي الرئيس عندما عيّن رامسفيلد وزيراً للدفاع سنة 1975، وتقدم عليه في النهاية. هذه العلاقة القديمة المستمرة غابت عن خاطر أعلى الجنرالات الأميركيين رتبة عندما طالبوا بإقالة رامسفيلد، وتبين من كتاب بوب وودوارد"حالة إنكار"أن رجال مكتب الرئيس، ومعهم زوجته، وأيضاً كوندوليزا رايس، طالبوا الرئيس بتنحية وزير دفاعه الفاشل، إلا أنه أبقى عليه بناء على اصرار تشيني. يمكن إعادة كل مخالفات القانون الأميركي، والمواثيق الدولية، مثل اتفاقات جنيف الى نائب الرئيس، لأن الرئيس كما أسلفت لا يعرف فيطلع بقول من نوع"أنا المقرر"الكلمة الأصلية بالانكليزية ظريفة لأنها غير مستعملة، وتكاد تشبّه لو ترجمت الى العربية بكلمة"مقرراتي". كان الرئيس بوش سئل عن تجاهله نصح الجنرالات وغيرهم لعزل رامسفيلد، فقال انه سمع وقرأ، إلا أن رامسفيلد يقوم بمهمة طيبة، وهو، أي الرئيس، المقرر. وعدت الى عبارة I am the decider في موقع غوغل على الانترنت، ووجدت أن هناك 922 ألف خبر عنها، تصفحت بعضاً من الصفحات الأولى في الموقع عنها، وكان أكثرها ساخراً، أو يدعو الى عزل بوش. تشيني هو المقرر الحقيقي وقد قرر، لنفسه وللرئيس، أن ما يقرر المقرر شرعي، بما فيه التعذيب والسجن من دون حماية القانون، والتنصت على مهاتفات الأميركيين، مع أن هذه كلها تخالف القانون الأميركي مخالفة أكيدة. ودور تشيني في"شرعنة"التعذيب معروف، فقد كان ديفيد ادنغتون يعمل مساعداً له عندما كان وزير الدفاع مع جورج بوش الأب. وعندما استقال مدير مكتب تشيني، لويس ليبي، تحت وطأة تسريب اسم عميلة ال"سي آي ايه"فاليري بلام انتقاماً من زوجها الديبلوماسي جوزف ولسون الذي نفى محاولة العراق شراء يورانيوم من النيجر، استعان تشيني بأدنغتون من جديد، ومذكرات التعذيب صدرت عن ادنغتون وبررها نائب الرئيس بمكافحة الارهاب، أو الكابوس الذي جعله شعار جهده الانتخابي لمصلحة الجمهوريين. تشيني ورامسفيلد ليسا من المحافظين الجدد، إلا أنهما مثل هؤلاء تطرفاً، وقد التقوا جميعاً على هدف مهاجمة العراق، وكان بين أبرز مساعديهم لويس ليبي في مكتب نائب الرئيس، وبول وولفوفيتز ودوغلاس فايث في وزارة الدفاع، وآخرون من الخارج مثل ريتشارد بيرل ووليام كريستول. نعرف الآن في شكل نهائي قاطع أن عصابة الحرب رفضت أو كتمت معلومات أجهزة الاستخبارات التقليدية، ولفقت معلومات أو بالغت فيها، واستعانت بجواسيس ومبعدين عراقيين لا قيمة لهم. ولعل خطاب ديك تشيني في المحاربين القدامى الأميركيين، في آب اغسطس 2002، يوضح تفكيره. فهو قال لهم ان الاستخبارات عمل غير دقيق، ورفض أي نفي لقصة العراق ويورانيوم النيجر، وتحدث عن"فوائد"غزو العراق مثل أن المعتدلين العرب والمسلمين سيتشجعون، وستتعزز قدرة الولاياتالمتحدة لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، وسيعيد المتطرفون النظر في ممارستهم الجهاد. كل ما توقع تشيني حدث عكسه أضعافاً مضاعفة، غير أننا نستطيع أن نفترض أيضاً أن تشيني كان يكذب على المحاربين القدامى، فهو يريد الحرب للهدف الوحيد الذي لم يصرح به وهو استخدام القوة العسكرية لبناء امبراطورية أميركية. اليوم يبيع ديك تشيني الناخبين الأميركيين كوابيس من صنعه، وهو قبل جورج بوش، مسؤول عن قتل عشرات ألوف العراقيين وتدمير بلدهم، وتحويل العراق الى معمل"تفقيس"للإرهابيين، وسياسته المتطرفة هي التي تعطي الارهابيين عذرهم، كما أن ارهابهم يعطيه العذر لمخالفة القانون في الداخل وللمغامرات العسكرية في الخارج. والكابوس الحقيقي هو هذه الشراكة الإرهابية التي يدفع العالم كله ثمنها.