الأخبار الواردة من فلسطين، صور الدم والجثث في انفجار"بغدادي"مع صور جثث في زلزال"باكستاني"، صواريخ تنطلق وطائرات تسقط... وأنفلونزا الطيور ينضم إلى"ركّاب"القطار ليكتمل المشهد في"جرعة زائدة"من الأخبار قد تقضي على المشاهد المسمّر على كنبته، والمشغول بالحوار الوطني اللبناني الذي تدور رحاه في وسط البلد، والصائم عن أكل الدجاج حتى إشعار آخر... وليس اللبناني وحده في هذه المتاهة، لأنّ آفة جديدة يتحدّث عنها العلماء أخيراً، لن توفّر أحداً من أفريقيا إلى السويد... إنّه عصر"أمراض الوسائل الإعلامية". إذ أعلن رئيس"مرصد النقاش العام"في فرنسا أنّ الشغل الشاغل لأطباء النفس حالياً هو القلق الذي تبعثه الأخبار في نفوس المتلقّين خصوصاً الحسّاس منهم. بل إنّ علاقة ادمانية، تشبه تماماً قصّة القطّ الذي يتلذّذ بلحس المبرد، نشأت بين المتلقي والأخبار الواردة في الوسائل الإعلامية من تلفزيون وصحف وانترنت، وحتى رسائل قصيرة ترد إلى الهاتف الخليوي كي تبقي الفرد مطّلعاً و..."على أعصابه". هذه العلاقة الادمانية رصدتها دراسة حديثة أجريت في فرنسا وبيّنت أن كل فرنسي"يستهلك"يومياً ثلاث ساعات و 20 دقيقة في متابعة الأخبار على التلفزيون وفق ما جاء في مجلة"بانوراما دو ميدسان"في عدد كانون الثاني يناير 2006 يتحدّث العالم النفسي الفرنسي ميشال لوجوايو في كتابه"جرعة زائدة من الأخبار"عن مرض الأزمنة الحديثة الذي يتميّز باستهلاك مفرط للأخبار والرغبة في متابعة دائمة لما يجري في العالم، فيصبح المرء لقمة سائغة للأوهام والكوابيس والهوس والخوف مما قد تؤول إليه الأوضاع في العالم بل يشعر أنّه المستهدف الأقرب. وتزيد الأخبار الواردة من سوء هذا الوضع خصوصاً مع الكوارث التي تسقط علينا من تحطم طائرة، وحريق واغتيالات وانفجارات... وزادت الإنترنت الطين بلّة، اذ أظهرت دراسة أجريت في الولاياتالمتحدة أنه بين كل 4 موظفين، يوجد موظف يدمن تتبع الأخبار على الإنترنت. فيما أجرت مؤسسة"كايز"في الولاياتالمتحدة دراسة على 2000 طالب أعترفوا انهم يقضون بين 6 ساعات ونصف و 8 ساعات يومياً على الإنترنت في تتبع الأخبار. الرسائل القصيرة على الخليوي أتت لتقصم ظهر"البعير"، فبعدما قرّر الفرد الاشتراك في هذه الخدمة للاطمئنان على"صحّة العالم"، راحت الأخبار تنهال عليه حتى بات يحتاج إلى من يطمئنه على صحّته... هو الذي أصبح مدمناً على الأخبار - السيئة بمعظمها - وبات يكره قصّة"هذه القرية العالمية"، لأنّ قلبه لم يعد يحتمل"جرعة زائدة من الأخبار"!