أعطت ايزابيلا روسليني عندما كانت عشرينية مبتدئة، بفضل اناقتها ووجهها البريء، انطباع الفتاة المثالية، وهي لا تزال بعد ثلاثين سنة توحي لجمهورها بهذه الصفات نفسها ما يجعلها نجمة سينمائية ذات شعبية مميزة، ثم سفيرة مثالية لدار مثل لانكوم المتخصصة في مبتكرات التجميل، الا ان هذه الاخيرة انهت العقد الذي ربطها بروسليني فور بلوغ الفنانة سن الخمسين، معترفة لاحقاً بأنها ارتكبت خطأ، وان النجاح الذي لا تزال تلاقيه النجمة من خلال منتجاتها الشخصية للتجميل"مانيفستو"والخاصة بالمرأة الناضجة، هي أكبر دليل على ذلك. وتأكدت وجهة نظر الجمهور تجاه روسليني في شأن اخلاقها ونزاهتها عندما افترقت عن زوجها الثالث دافيد لينش الاول كان المخرج الاميركي مارتن سكورسيزي والثاني جون ويندرمان ولا علاقة له بالفن بسبب تصرفاته الجنونية معها، وقيامه بضربها وتعذيبها، على رغم عبقريته الفنية ومساندته لشريكة حياته من الناحية السينمائية ومنحها أجمل الادوار التي حصلت عليها في حياتها. كثيراً ما يقال عن روسيليني انها امرأة ضائعة تفتش عن صورة الأب الراحل، وبسبب نقطة ضعفها هذه يضحك الرجال على سذاجتها، وفي مقدمهم زوجها الرابع الممثل البريطاني غاري اولدمان المنفصل عنها ايضاً والذي استفاد من شهرتها - ويقال من اموالها - ليعيش حياة الترف لكنه عاملها بطريقة غير لائقة، على رغم انها اخلصت له في محاولة التعويض عما عانته طوال فترة ارتباطها بدافيد لينش، لكن حظ ايزابيلا، كما يبدو مع الرجال سيئ، ما يؤدي بها كثيراً الى العيش وحدها مع ابنها بالتبني روبرتو وابنتها اليترا من زوجها الثاني ويندرمان في شقة واسعة في نيويورك. وعلى عكس الاشاعات التي روجتها شركات الانتاج في هوليوود عن ايزابيلا والخاصة بانتمائها بفضل مكانة والديها الاجتماعية، خصوصاً الفنية، ذات الاصل الارستقراطي الرفيع، فان الممثلة السمراء الجميلة، تتحدر من أب متواضع هو روبرتو روسليني عمل موظفاً بسيطاً في استوديوهات السينما الايطالية وكافح طويلاً وبشتى الوسائل الشاقة الى ان نجح في فرض نفسه كأحد أكبر المخرجين في العالم. اما الأم انغريد برغمان فكانت أولاً ممثلة سويدية بسيطة اسعفها الحظ بفضل قوة ارادتها فوصلت الى هوليوود فقيرة ولكن بمئات الاحلام، التي عرفت كيف تحول القسم الاكبر منها الى واقع في فترة زمنية قصيرة فصارت نجمة كبيرة وعملت تحت ادارة الفريد هيتشكوك وغيره من عباقرة الفن السابع، ثم تعرفت الى روبرتو روسليني وتزوجته فغادرت عاصمة السينما الاميركية لتستقر في ايطاليا مع زوجها مما تسبب في فقدانها بعض شعبيتها، وهي كما روته ابنتها ايزابيلا مرات كثيرة ضحت بالنجومية من اجل الحب ولم تستطع استعادة بريقها المفقود بعد طلاقها من روسليني وعودتها لتقيم في اميركا. زارت روسليني باريس لحضور عروض الموضة فيها وللترويج لفيلمها"الموسيقى الاكثر حزناً في العالم"، فالتقتها"الحياة"في هذا الحوار. حدثينا عن هذا الفيلم الغريب جداً؟ - نسيت الفيلم بعض الشيء لأن تصويره تم في العام 2003 لكنه لم يعثر على فرص للتوزيع الدولي الا الآن، ربما بسبب جنسيته الكندية من ناحية والتي تجعله اقل شعبية من أي فيلم اميركي تقليدي أو حتى أوروبي، ثم ايضاً بسبب حبكته غير العادية. إنني اظهر في"الموسيقى الاكثر حزناً في العالم"بساقين من الزجاج تضحك أثر حادثة مروعة افقدتني النصف الاسفل من جسمي بشكل كلي، وبما انني ارفض الزواج من مخترع عبقري يعشقني الى حد الجنون يقوم الرجل بابتكار ساقين من الزجاج ويهديهما لي أسوة بثمن العملية الجراحية الضرورية لتركيبهما حتى استطيع المشي من جديد. واقبل الهدية لكني استمر في رفض مغازلة صاحبها لي، الى ان أقرر في يوم ما اقامة مسابقة دولية حول الاغنية الاكثر حزناً في العالم وأعد الدولة الفائزة بجائزة مالية كبيرة، والذي يحدث هو ان صخب الموسيقى يتسبب في فرقعة الزجاج وأجد نفسي امرأة نصفية من جديد ثم أموت ضحية حريق ينشب فجأة في القاعة الضخمة التي تؤوي المسابقة. هل تدرك الآن لماذا لم ينزل الشريط الى الصالات قبل الآن، على رغم مرور ثلاث سنوات على انجازه؟ لماذا وافقت على المشاركة فيه اصلاً؟ - لأنني مجنونة، حالي حال المرأة التي اجسدها فيه ولأنني مولعة بالروايات الاسثتنائية والخارقة وأنا أحب الفيلم وأجد ان المخرج أحسن إنجازه وعرف كيف يسخر الأبيض والأسود الممزوج بالألوان في بعض اللقطات لمصلحة النص المكتوب. قيل عنك انك مجنونة فعلاً، إنما في شأن علاقاتك مع الرجال. وها أنت تقولين الشيء نفسه على الصعيد الفني، فما الذي يثيرك في موضوع الجنون هذا؟ - اسمح لي بأن اقول نقطة مهمة جداً، وهي انني أول شخص قال ان ايزابيلا روسليني مجنونة في شأن الرجال، وذلك في الكتاب الذي ألفته بعنوان"لوكينغ آت مي"النظر الى نفسي. وكان من الطبيعي في ما بعد ان تقلدني الصحافة وتكرر كلامي بل تحور فيه بحسب مزاجها، فالإعلام خير من يجيد هذا التصرف أليس كذلك؟ وللرد على سؤالك أقول صحيح انني أعتبر نفسي فاقدة التوازن الى حد ما لكنني لا أقصد بكلامي الجنون السلبي الذي يؤدي بالمرء الى عيادة طبية اثر ارتكابه تصرفات تسيء الى الغير او الى نفسه، فأنا أميل الى حب الأشياء التي لا تشبه ما نراه ونفعله في كل يوم من حياتنا، لذا أحببت سيناريو فيلم"الأغنية الأكثر حزناً في العالم"لأنه لا يقلد أي عمل سينمائي رأيته حتى الآن ويتصف بالطرافة المطلقة، فكيف لا أحبه؟ ومن ناحية ثانية، أعترف بأن تطبيق المبدأ نفسه على الرجال يؤدي في أحيان كثيرة الى الوقوع على مختلين حقيقيين لا يمكن العيش معهم، لكنهم في بعض الأحيان عباقرة من الناحية الفنية. ماذا كان رد فعلك عندما أنهت دار"لانكوم"للتجميل عقدها معك بسبب تقدمك في العمر؟ - صُدمت بطبيعة الحال ولم أدرك ما الذي جعل ماركة مثل هذه تخاطب المرأة في كل مراحل عمرها تقرر بأسلوب مفاجئ جداً التخلص من سفيرتها الرسمية لمجرد ان هذه الأخيرة بلغت 48 سنة. لقد تركت"لانكوم"بتعويض مادي جيد، لكن المشكلة في العقلية التي تختبئ وراء هذا التصرف وأدركت بعد تفكير طويل انهم يخافون من ان تنطبق عليهم صورة غير تلك الشائعة في عالم الموضة والجمال عادة، وأقصد صورة المرأة الشابة ذات الجمال الطاغي والجاذبية الجسدية الصارخة. ولكن من هي المرأة التي تحتاجپالى مبتكرات لانكوم؟ العشرينية أم الأربعينية والخمسينية؟ على العموم لقد أطلقت"ماركتي"الشخصية من منتجات التجميل وأتجه من خلالها الى المرأة الناضجة من دون تجاهل الشابة اذا أرادت خوض التجربة بدورها، وأعترف بأنني نجحت في مشروعي، وهذا أحلى انتقام بالنسبة إلي. أنتِ ابنة إنغريد برغمان إحدى ألمع نجمات هوليوود في عصرها الذهبي وروبرتو روسليني المخرج الذي اخترع حركة"نيو رياليزم"الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية، فهل من السهل ان يتحمل المرء عبء مثل هذا الإرث الفني؟ - لا طبعاً، وربما انه السبب في جنوني وفي بحثي المستمر عن التجدد والطرافة وكسر القواعد المفروضة، فمهما فعلت لن أعثر على أشخاص على المستوى نفسه لأبي وأمي، على الأقل في نظري، ولا أشعر بأنني شخصياً قد أصل في يوم ما الى عبقريتهما. هل كنت تفضلين أن تكوني من عائلة عادية إذاً؟ - لا أبداً فأنا لا أنكر عائلتي ولا جذوري ولا أهلي، ولا أتخيل نفسي لحظة ما من عائلة ثانية. تتميزين بالنزاهة والأخلاق الحميدة وهذه السمات تلعب دورها منذ بدايتك السينمائية في شهرتك، فما نظرتك الى الأمر؟ - أعرف ذلك وأعتز به الى درجة لا يمكنك تخيلها، وفي الوقت نفسه أقضي حياتي خائفة من ارتكاب أي تصرف أحمق قد يكسر صورتي لدى الناس، ولكن لدى نفسي أولاً، وأعتقد بأنني لن أستطيع تحمّل هذا الشيء إذا وقع ولا أغفر لنفسي إذا ألحقت الأذى بشخص ما فأنا في قرارة نفسي بريئة ولا أزال طفلة تنظر الى الدنيا بعينين طاهرتين. إنها مسؤولية إذاً؟ - نعم، وربما انها أكبر المسؤوليات لأنني امرأة معروفة. تزورين باريس باستمرار، فهل من أجل حضور عروض الموضة فقط؟ - لأنني مولعة بالأناقة ولا أتخيل نفسي مرتدية بنطلون الجينز المزين بثقوب هنا وهناك، حتى لو كانت هذه هي الموضة أو على الأقل موضة معينة تعشقها فئة من الفنانات. انني محظوظة جداً كوني قادرة على اقتناء أزياء اشهر المصممين. أنتِ من ناحية ثانية تفعلين الكثير لمصلحة الأطفال المحرومين، لا سيما في الهند وبلدان أخرى فقيرة؟ - هذا الشيء بيني وبين نفسي، ويحدث ان تتكلم عنه الصحافة، لكنني لا أدخل في تفاصيله ولا أفتش من خلاله عن شهرة إضافية أو عن تلميع صورتي كامرأة كريمة، فأنا أفعل ما أجده يناسب إمكاناتي ومزاجي وشخصيتي، وخصوصاً ضميري، والأمر بالتالي اكثر من طبيعي. هل ظهرتِ في أفلام بعد"الموسيقى الأكثر حزناً في العالم"؟ - نعم، ولكنها لم تنزل بعد الى الصالات خارج الولاياتالمتحدة، وأحدث هذه الأفلام عنوانه"المهندس المعماري"وهو من النوع الدرامي ولا علاقة له إطلاقاً بفيلم"الموسيقى الأكثر حزناً في العالم"ما لا يقلل أو يزيد من قيمته الفنية بطبيعة الحال، فأنا أذكر هذه النقطة كمعلومة وحسب.