"إنني أحبكم. الآن أصبح لي أصدقاء من العرب والمسلمين، ولن أنسى الأيام الجميلة التى قضيناها معكم، وأتمني أن تزورونا في بلدنا في أقرب وقت، ولا تنسوا أن نتواصل يومياً على الإنترنيت. سامحونا لأننا لم نكن نعرف أنكم طيبون ومتسامحون وأوفياء وصادقون. والآن تقع علينا مسؤولية تغيير صورتكم". كلمات مؤثرة إختلطت بها دموع الفتاة الدنماركية ماريا لينهات وهي تودع عشرات الشباب العرب والمسلمين المشاركين في ملتقى الحوار الإسلامي الدنماركي الذي نظمته أخيراً"مؤسسة طابا للدراسات الإسلامية"في أبوظبي على خلفية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الصحف الدنماركية. وماريا لينهات فتاة دنماركية لم يتعد عمرها الثانية والعشرين عاماً، تدرس في جامعة قوس كيلي في الدنمارك، وزارت أبوظبي ضمن وفد يتألف من عشرين شاباً وشابة. وطوال أيام الملتقى الأربعة أبدت لينهات انبهارها وهي تتجول في أبوظبي ودبي. فقد إنطبعت في مخيلتها صورة المرأة العربية مستعبدة وحبيسة ولا يكف زوجها عن ضربها كما لايسمح لها بالخروج من بيتها إلا إلى قبرها، كما أن العرب والمسلمين مكفهرو الوجوه ومتعصبون. "صورة المرأة العربية والمسلمة عندنا سلبية جداً، ولا نعرف عن العرب والمسلمين إلا كبتهم لحريتها، كما أنهم يعشقون إختلاق المصائب والمشكلات للغرب، ويتظاهرون ضدنا، وبلا شك فإنكم تحتاجون لجهد أكبر ووقت أطول لتحسين صورتكم"قالت ماريا قبل أن تستقل الطائرة. " أدركت جوانب إيجابية عدة في بلاد العرب والمسلمين وتغيرت فكرتي عنهم جذرياً. أفادتنا أزمة الرسوم لنفهم بعضنا بعضاً، فرب ضارة نافعة!". ولا تمثل ماريا حالة شاذة بين الشباب الدنماركي بل تمثل الغالبية كما ذكرت لنا صديقتها رئيسة منظمة الشباب الدنماركية سينيا ستامبا التي انتابها الخوف عندما تلقت دعوة الى المشاركة في ملتقي أبوظبي. وظنت أنها لن تعود إلى بلدها آمنة خصوصاً بعدما ظلت لأسبوع تقرأ وتشاهد التظاهرات. وقبلت المغامرة وسافرت الى بلاد"الإرهاب والجمال والصحراء"كما كانت تظن. وتقول:"لم أكن أصدق أنكم هكذا. أنتم طيبون ووجوهكم بشوشة. كما أن الأبراج السكنية تنافس السحاب، ولديكم أحدث موديلات السيارات والأزياء والجامعات والمدارس، والحدائق والمنتزهات. والنساء يعملن. ثم أرى الناس يتدافعون إلى المساجد ينتابهم شعور رائع من السكون الروحي ودولة تكفل حرية العبادة للجميع حتى من أمثالي". وعلى رغم أن العالم أصبح قرية كونية تتناقل القنوات الفضائية أخبارها في لمح البصر إلا أن سينيا ستامبا لم تعرف المسلمين والعرب إلا بعد نشوب أزمة الرسوم المسيئة. وتقول :"رأيت أناساً بلحى طويلة يتظاهرون ضد بلدي ويحرقون أعلامها ويقاطعون منتجاتها، وأمام القناة الأولى الدنماركية عشت في رعب وظننت أن هؤلاء الإرهابيين سيقتحمون علي غرفة نومي ويقتلونني ولا أعرف لماذا يحدث كل هذا". وقبل توجهها إلى مطار أبوظبي قالت سينيا ل"الحياة":"أنا سعيدة لأنني عرفت كيف يعيش العرب والمسلمون. سأحمل معي إلى الدنمارك ذكريات جميلة عنهم وأنا نادمة لأنني لم أبحث عن الجالية العربية لدينا. لدي شغف كبير لأتواصل مع أصدقائي هنا وسأساهم في تغيير الصورة السلبية عنهم. وعلينا أن نتعاون ونكثف جهودنا بين الشباب والأطفال لأنهم أمل الغد". وبدا الشاب خريج كلية العلوم السياسية في جامعة الدنمارك أورميوس غوهانسين أكثر أعضاء الوفد تعايشاً واحتكاكاً بالعرب والمسلمين خلال أيام الملتقى وقد كرمه الداعية سعيد رمضان البوطي في نهاية أعمال الملتقى لشغفه بالتعرف الى الإسلام. وليست أبوظبي هي المحطة الأولى لأورميوس في منطقة الشرق الأوسط فقد سبقتها وستلحقها محطات أخرى إلى مصر وسورية والأردن ولبنان وفلسطين كسب فيها عشرات الأصدقاء الذين كانوا يتابعون معه وقائع رحلاته على شبكة الإنترنيت."نحتاج إلى فهم أكبر لبعضنا بعضاً والى أن نعمل لإستمرار تلك اللقاءات الشبابية. الصورة السلبية عن الإسلام والعرب ترسخت لقرون ومن المستحيل أن نصححها بين يوم وليلة، ولا بد من أن نسهم في حل مشكلات العرب وأن تكون وسائل الإعلام الغربية صادقة في نقلها للأحداث". "النيات الصادقة والفهم المتبادل أهم مقومات نجاح أي حوار بين العرب وغيرهم" قالت رئيسة الوفد كارن كارمان بلغة عربية متعثرة. ولم تتمكن كارن التى يبلغ عمرها 32 عاماً قضت ثلثها في المنطقة العربية أن تتقن التحدث باللغة العربية الفصحى، لكنها تقرأ وتفهم كتب الفقه بحواشيها ومتونها المعقدة والطويلة. وتخصصت كارن في مقارنة الأديان بين جامعتي أهيوس في الدنمارك والقاهرة في مصر وحازت الماجستير. "غالبية المجتمع الدنماركي مغيبة عما يحدث في المنطقة العربية"ختمت كارن التي تناقش خلال أيام أطروحتها لشهادة الدكتوراه حول الأقليات الإسلامية في العالم، والتي دفعتها أبحاثها الى زيارة أكثر من بلد عربي.