النخبة الايرانية تتداول هذه الايام قصة لتوصيف العلاقة بين الولاياتالمتحدةوايران، تقول القصة ان شخصا اتهم بأنه دائماً يدوس على ذيل الاسد متعمدا، فلما قيل له ان الاسد مؤذ ويمكن ان تكون لعواقب دوسك ذيله اضرار كبيرة قد تفتك بك ، رد الرجل ماذا افعل كلما وضعت رجلي في مكان أجد ذيل الاسد! تلك هي العلاقة بين الولاياتالمتحدةوايران. ايران تريد من كل هذه الضجة التي تدور اليوم حول القوة النووية وقوتها الاقليمية، ان تدفع بالولاياتالمتحدة والغرب عموماً في نهاية المطاف الى ان يعترف بالنظام القائم في ايران، على انه النظام الدائم والنهائي والتاريخي للشعوب الايرانية، وان من حق الشعوب الايرانية، كما من حق غيرها ان تختار النظام الذي تريد، ومن حق هذا النظام ان يدعو لطريقته في الحكم شعوباً اخرى، ويستخدم التكتيكات المناسبة المتاحة لذلك. ذلك هو الهدف النهائي لمجمل المناورة الايرانية، وهي مناورة ذكية استخدمت فيها الكرامة الوطنية الحصول على القوة النووية لحشد كل قوى شعوب ايران خلفها،والتقليل الى الحد الادنى، او انحسار المقاومة لهذه السياسة. من جهة اخرى فان ذلك يعني ان الخوف الايراني الذي تتحسب له طهران ليس خوفا من توسع نفوذ الولاياتالمتحدة في المنطقة، بل خوف يصل الى التطير من جانب ايران بأنها المكان الثالث المستهدف بعد افغانستان وبعد العراق. كي تدفع بذلك الاحتمال بعيداً، كونها الهدف الثالث، فانها تدوس على ذيل الاسد في أماكن كثيرة بعيدة عن ارضها، منها الخليج ومنها العراق بالطبع، ومنها لبنان، وربما أماكن اخرى في المستقبل. ليس في نية ايران او بمقدرتها شن حرب نووية في المستقبل المتوسط او حتى البعيد، بل ربما لا تستطيع حتى وان ارادت ان تساعد حلفاءها العرب تجاه حشد عسكري سياسي ضد اسرائيل. هاجس النظام الايراني الحقيقي هو البقاء والباقي تفاصيل على الصورة الرئيسية. هذا الهاجس يجعلها تدوس على ذيل الاسد، تختبر قدراته في اماكن اخرى، وشوقا مكتوما ان يقرر الاسد ان كفاية هي كفاية، ويأتي الى طاولة المفاوضات قابلاً بالجمهورية الايرانية كما هي، لا كما يجب ان تكون، وايضاً راضياً ببعض نفوذها في المنطقة. حدود ذلك النفوذ وقوته يمكن التفاوض عليهما في ما بعد، حسب ما تقتضيه اللعبة. غير ذلك سيستمر الصراع، اما صراعاً متخيلاً او حقيقياً. تعتقد النخبة الايرانية ان"نظام طهران"غير مقبول من الولاياتالمتحدة، وان الاخيرة سوف تعمل بشكل او بآخر من أجل خلخلة النظام بطريقة ما، اما عن طريق تشجيع معارضة فاعلة وحقيقية في الداخل، او تشجيع قوة ايرانية في الخارج لشن حملة طويلة ضد النظام تؤلب عليه في نهاية المطاف العديد من الشرائح الايرانية الداخلية التي تزداد تذمراً. ويستبعد الايرانيون في هذا الظرف ان تشن الولاياتالمتحدة الاميركية حرباً وقائية ضد طهران، لأنها لا تملك التفويض الدولي اولاً ولأنها ثانياً غير قادرة بعد كل التصدع الذي اصاب ساستها في العراق ان تقوم بمغامرة اخرى في الجوار. اوراق ايران ليست ضعيفة او متخيلة، فهي أوراق حقيقية وبعضها قوي واستطاعت ان تلعبها بنجاح حتى الآن لإبعاد نفسها عن خط النار. فهي اولا تقوم بتحالف نشط مع القوى الشرق اوسطية العربية المعارضة لسياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة، منها سورية وايضاً"حزب الله"في لبنان و"حماس"الفلسطنية، كما ان لديها عدداً لا بأس به من المتعاطفين سياسيا او مذهبيا مع سياساتها المعلنة. وتستفيد ايران بقوة من مأساة القنبلة الاسلامية الثانية القدس في القيام بحشد التأييد المعنوي لها في اجواء العرب المسلمين على وجه الخصوص الذين يتجاوزون حتى الحاجز المذهبي، وبهذا خلقت تعاطفاً واسعاً لقضيتها، وثانياً استخدام ورقة العراق بنجاح كبير، الى درجة عرض الولاياتالمتحدة العلني بأن تدخل مع طهران في حوار حول العراق، وهي المنطقة الساخنة والمقلقة للادارة الاميركية الحالية. تعتقد طهران ايضاً ان النافذة التي تمتلكها واشنطن للضغط على طهران هي نافذة زمنية تضيق باتجاه الاستحقاقات القادمة في الخريف لانتخابات النصف الثاني للكونغرس التي تهدد الادارة بفقد اغلبيتها في مجلس الشيوخ، وهو أمر ينذر بسلبية ايضا في استحقاق رئاسة الجمهورية الاميركية في انتخابات الخريف عام 2008 التي بقي على التسخين الفعلي لها فقط قليل من الوقت، اي اكثر قليلا من عام. الجانب الاميركي يرى في التوقيت ايضا شيئا هاما، اذا لم يتخذ قراراً بحرمان طهران من"السلاح النووي"المتوقع فان الزمن يجعلها أقرب وأقرب الى امتلاك ذلك السلاح وزيادة اوراق قوتها قوة، فالتأخر عن ردعها يجعل دوران عجلة القوة الايرانية يتصاعد ويزداد نفوذا، وقد يؤهلها للدوس على ذيل الاسد مرات اكثر وفي أماكن اكثر، أقلها السيطرة المعنوية على منبع الطاقة في الخليج، وابعدها التأثير على مجريات الامور في الشرق الأوسط الكبير. اذا الزمن هنا حاسم في نظر الطرفين، الايراني والاميركي على السواء، واذا قُطع الزمن القادم في لعبة القط والفأر بتكتيكات مختلفة، فان ايران هي التي سوف تفوز في نهاية الأمر، وتجعل من وجودها واقعا لا مفر منه، وقاعدة لما يمكن ان يماثلها في الجوار القريب او البعيد. وضع ايران مع الولاياتالمتحدة اليوم يشابه الى حد كبير، مع الفارق التاريخي، وضع كوبا في بداية الستينات، مع اختلاف في التفاصيل، وتوافق في الكليات. وقتها قررت كوبا ان تتحدى الولاياتالمتحدة بالتسلح بأسلحة ثقيلة، ليس من اجل الاسلحة، بل من اجل جر الولاياتالمتحدة اما الى شن حرب مباشرة وتكون دولية، او بالاعتراف بوجود كوبا بشكلها الايديولوجي المعروف، وبقية القصة معروفة، فقد حبس العالم انفاسه بسبب تقابل الجبارين وقتها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، ووصل صراعهما الى حافة الهاوية، الى ان وصل الامر الى حل وسط، لا سلاح طويل المدى لكوبا، ولا تدخل لها في الجوار، ومن جانب آخر لا تهديد لكوبا ونظامها من جانب الولاياتالمتحدة. ييبدو ان ايران اليوم تميل الى مثل هذا السيناريو، في نهاية الأمر لا سلاح ذرياً لها، ورقابة دولية على طموحها النووي ربما، وفي نفس الوقت اعتراف كامل بالنظام الايراني وحقه في أن يبقى ويحصل على نفوذ اقليمي. في لعبة ذيل الاسد هناك متضرر واحد يتابع هذه اللعبة بقلق شديد هو الخليج، الذي سيتضرر في كلا الحالتين، ان قامت حرب وقائية ضد ايران فهو متضرر، وان قامت ايران بتحقيق اهدافها فهو متضرر ايضاً، الا ان لعبة ذيل الاسد ما زالت مستمرة. * كاتب كويتي.