مِنَ الواضح أن أزمة في منطقة الخليج تتبلور وتتصاعد، وتذكرنا بالسيناريو الذي سبق الهجوم على بلد الرافدين، ومن ثم احتلاله. تبدأ القضية باتهامات، فتحديات سياسية، فامتحان العض على الأصابع، فتصاعد في دهاليز السياسة، ومن ثمة قرار لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع الذي يحمل في طياته التهديد بعمل عسكري ضد البلد المعني، وأخيراً حشد الجيوش وبناء الترسانات، وتكديس الأسلحة، فمناورات، فإنذارات بمواعيد للتنفيذ، فعل عسكري يفاجئ الجميع على رغم ان الكل يتوقعه. وليس المجال هنا لنخوض في سيناريو الحرب من عدمه، ولا عقد مقارنات بين امكانات ايران مقابل قوى الولاياتالمتحدة وحلفائها، ولا أعتقد أن المناسبة هنا تسمح باجراء تحليل، أو احتمالات النجاح والضعف، والفرص والتهديدات لتبين مدى الجنون الذي ينطوي عليه الدخول في معركة. ولكن ما يرشح من معلومات ان الديبلوماسية ستعطى فرصة، وإن كانت لا تزيد على أشهر معدودة، وان العمل العسكري لن ينطوي على ارسال قوات الى داخل ايران، والضربة ستعتمد على كثافة القصف. ولكن ماذا عن حركة الإعمار والاستثمار داخل الوطن العربي. والجواب عن هذا السؤال سيعتمد الى حد ما على قيام ايران بمحاولة ضرب القواعد العسكرية والتجمعات العسكرية الأميركية داخل الخليج وعلى حوافه، وعما اذا سعت ايران أيضاً لضرب اسرائيل، مكررة بذلك ما قامت به العراق، إبان حرب الخليج عام 1991. وهذا السيناريو يعني ان الإعمار سيتوقف خلال تلك الفترة التي يحتدم فيها القتال ومن هنا تصبح مناطق البترول، أو منافذ خليج هرمز مهددة. وهكذا تكون الخسارة الاقتصادية مضاعفةً، وستصبح المرافئ المطلة على"بحر العرب"في كل من سلطنة عُمان والفجيرة ذات أهمية كبرى. وكذلك، فإن دولة كاليمن ستستفيد اذا ارتفعت أسعار النفط، لأن اليمن ستكون قادرة على التصدير عَبر باب المندب، والبحر الأحمر. ولكن اذا قامت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها، بضرب ايران ضربة صاعقة مستخدمة الأسلحة النووية التكتيكية، أو القنابل النيوترونية، أملاً في حمل ايران على الاستسلام بفعل فظاعة الضربة كما حصل مع اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هذا العمل الرهيب سيفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات لا يعلم أحد مداها داخل الدول الاسلامية بخاصة. ومثل هذا السيناريو العنيف قد يكون هو الأنجع من وجهة النظر العسكرية الاقتصادية منعاً لاستمرار المقاومة الايرانية بعد الحرب. ولذلك، فإن سعر النفط والغاز والذي سيرتفع كثيراً ابان الحرب ليصل الى أكثر من 120 دولاراً للبرميل الخام ربما يعود فيتراجع بعد الحرب. واذا حصل مثل هذا السيناريو العنيف على حساب ايران، فإن المنقطة ستشهد واحداً من أمرين: إما حالة من التشاؤم والقنوط والهدوء، على الأقل لسنة واحدة، أو أن الأمور ستعود بفعل ازدياد المداخيل الى مستويات لم تشهدها المنطقة من قبل. ولربما يؤدي هذا الى هدوء الحالة في العراق كذلك. ومع الأسف، فإن السيناريو الاقتصادي لا يبقي لدى الأميركيين وحلفائهم الا احتمالية أساسية أكثر ترجيحاً، وهي استخدام القصف العنيف المدمر، لعلمهم ان ايران اذا منحت الفرصة فسوف تكلفهم كثيراً ولآجال طويلة، وتخل بميزان موقفهم الاقتصادي والعسكري في العالم، وهو أمر ربما لا يقبل به هؤلاء. ان لعبة الأمم التي تجري في منطقة الخليج خطيرة جداً، وعلى اللاعبين أن يدركوا مدى الخطورة والعنف الذي ينطوي عليه التصعيد الحالي. ولا يملك الحريص على مستقبل المنطقة إلاّ أن يعض على نواجذه خوفاً وهلعاً مما قد يحصل، وأملاً أن في الإمكان تفاديه من الأصل. * خبير اقتصادي ، "البصيرة للاستشارات".