ما الذي يجعل جدول أعمال الرئيس الأميركي باراك أوباما «عاجلاً جداً» في جولته المقبلة على الشرق الأوسط؟ أَتَذَكَّرَ فجأة أن مفاوضات ميتة كان اسمها عملية السلام، لم تنفع فيها وعوده المبكرة في بداية ولايته الأولى، وأن فقدان «الكيمياء» في علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لم يَحُلْ دون السخاء الأميركي في دعم ترسانة الدولة العبرية، فيما الاستيطان يسجل أرقاماً قياسية لمشاريعه؟ أن يكون جدول أعمال أوباما في جولته على إسرائيل والأردن ورام الله «عاجلاً جداً»، كما يقول السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، وبين مَحَاوِرِه إيران وسورية، فالأرجح أن الأمر لن يطاول تشجيع ديبلوماسية «الانخراط» مع النظام السوري، الذي بالكاد يملك ورقة للمساومة عليها في أي صفقة. وأن تأتي الجولة فيما واشنطن تعدّ لسيناريو المفاوضات المباشرة مع طهران، إذا نجحت جولة المحادثات «النووية» في كازاخستان أواخر الشهر، في تلمّس خريطة طريق لصفقة ما مع إيران، فذاك يستبعد- مبدئياً- احتمال تسريع الولاياتالمتحدة الضوء الأخضر لضربة توجهها إسرائيل الى المنشآت النووية الإيرانية... بمباركة أميركية. أما أن يعدّ الجيش الإسرائيلي لحرب أخرى على لبنان، كأنها حتمية، فلا ينفع معها بالطبع «النأي بالنفس» عن كل تداعيات تبدّل أحوال سورية بعد الثورة وحرب التدمير الشاملة... وتبدّل أحوال إيران بعد خسارتها «مناعة» حليف، وبعد ما فعلته أسنان العقوبات في نظام ما زال يتوعّد إسرائيل بما يرغمها على «الندم». يتوعدنا وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، كما يهدد نظام المرشد ب «ضربة كبرى». فلنقرأ ببساطة ضمن تسلسل الأحداث، إعلان بلغاريا نتائج تحقيقاتها في عملية بورغاس (تموز- يوليو 2012) واتهامها شخصين «على علاقة» بالجناح العسكري ل «حزب الله». يلتقط نتانياهو وإدارة أوباما الإشارة، تبدأ حملة لتحريض الأوروبيين على التخلي عن تحفظهم حيال مطالبات قديمة بإدراج الحزب على لائحة الإرهاب. ينقسم الأوروبيون مجدداً، لكنّ الفرصة سانحة لإسرائيل للاستفراد بالحزب ومعه كل لبنان،... وسانحة لأوباما الثاني إذ وجد ضالته ليقنع الإسرائيلي ببديل عن ضرب إيران الذي قد يجرّ أميركا الى مواجهة على ضفاف الخليج. هي الفرصة المثلى لإسرائيل التي ستستغل انهماك النظام السوري في الداخل، وانهماك إيران بدعمه وباحتواء ضربات العقوبات. وتستغل أيضاً انهماك دول «الربيع العربي» بأزماتها، خصوصاً مصر التي استنجدت بها واشنطن ل «تأهيل» حركة حماس بعد حرب قصيرة، وتكليفها مراقبة منع إطلاق الصواريخ، على إسرائيل. واضح أن دمشق ليست في وارد استعادة تجربة حرب تموز 2006، ولا قدرتها تخوّل إليها نجدة «حزب الله»، ولن ترغب في استدراج نتانياهو ليوجّه الى النظام الضربة القاضية. بل لعل في دمشق مَنْ يخشى «بيع» طهران حلفها في المنطقة بعدما تبدلت أحواله، خصوصاً إذا أغرتها واشنطن بالبديل، في صفقة شاملة انتظرتها إيران سنوات طويلة، حتى اعترفت بالملل من مماحكات الملف النووي، وعض الأصابع كلما حانت جولة مفاوضات عبثية. ولأن سورية لا تملك الآن ورقة لأي مساومة، وطهران لن تقايض برنامجها النووي بثمن بخس، يزداد الخطر على لبنان وإن مُيّز بين «حزب الله» وجناحه العسكري... فيما التحريض الأميركي- الإسرائيلي يغلب في قضية بورغاس، وتبدو دول أوروبية مقتنعة بذلك. فرصة ذهبية لإسرائيل أن تستفرد بلبنان لتدمّر دولة أخرى عربية، فيما سورية تنتج دمارها، وإيران المرشد تضع اللمسات الأخيرة على الصفقة: تفادي ضرب أراضيها ومنشآتها، انتزاع اعتراف بنفوذ لها في الخليج و «تقنينه» في العراق، وعرض تسهيل الانسحاب الغربي من أفغانستان، وربما كذلك «تأهيل حزب الله». لكن الحزب ليس «حماس»، وما قاله شابيرو بعد باراك، يوحي بأن ربيع لبنان 2013 لا يشبه تموز 2006، فلماذا على اللبنانيين و «حزب الله» الانتحار ليكتمل موسم الجنازات؟... و «تنتصر» إيران بعد طول ملل.