خلال عشرينات القرن الماضي، كان حي هارلم في جزيرة مانهاتن في مدينة نيويورك يصخب بالموسيقى وأندية الرقص والمسارح... لكن أضواء الحي انطفأت خلال سنوات الكساد الكبير في الثلاثينات. انهارت مباني الحي وأغلقت المحال أبوابها. وسرعان ما أصبح هارلم، أكبر غيتو للسود في أميركا. وخضعت الشوارع لأباطرة المخدرات والجريمة بل ان الحي بكامله اختفى من خرائط السياحة التي توقفت خطوطها عند الشارع رقم 110 الذي يبدأ عنده حي هارلم. أخيراً، انقلب المشهد. تحول هارلم إلى حي حديث وبراق سواء بالنسبة الى السائحين أو لسكان نيويورك أنفسهم. وتزايدت في هارلم حركة ترميم المباني ذات اللون البني والتي تمثل الوصف التقليدي للمباني السكنية في نيويورك كما أصبحت نوادي ومطاعم حي هارلم ملتقى الصفوة من شباب المدينة. وبعد فترتين رئاسيتين، اختار الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أن يكون هارلم هو مقر مكتبه، لذا لم يكن مستغربا أن يدور الحديث عما يوصف بأنه صحوة ثانية لذلك الحي. وكانت الصحوة الأولى في العشرينات وتمثلت في حركة فنية قادها المثقفون والمؤلفون والرسامون والموسيقيون من الأميركيين الأفارقة من أمثال الممثلين لويس أرمسترونغ وجوزفين بيكر اللذين ذاعت شهرتهما على مسرح أبولو في الشارع 125. وفي عام 1934، بدأ المسرح تقديم ليلة للهواة ما زالت تمثل فقرة ثابتة في برنامجه حتى اليوم، وفيها تتاح فرصة الظهور على المسرح أمام الجمهور لكل من يعتقد أن لديه موهبة فنية. والآن يزور الكثيرون من السياح وسكان نيويورك حي هارلم لسماع موسيقى الجاز أو العزف المنفرد. وهارلم اليوم أصبح مقصداً لعشاق فنون النحت والرسم الإفريقية المعاصرة إذ تحفل متاحف الحي بأعمال مشاهير الفنانين والرسامين والمصورين، فضلاً عن مهرجان موسيقى هارلم الشهير الذي يقام في آب أغسطس من كل عام. تجدر الإشارة إلى أن حي هارلم يقدم الى زواره أيضاً تجربة فريدة في عالم التسوق، إذ تختص ببيع العطور والبخور والملابس ذات الطابع الإفريقي. وللطعام أيضاً نكهة خاصة في هارلم، وهناك مطاعم شهيرة تجتذب الفنانين والمشاهير من أنحاء نيويورك كافة مساء يوم السبت من كل أسبوع.