أحمد جراح قلب فلسطيني أجبرته الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية السيئة في الأراضي الفلسطينية، والتعيينات العشوائية، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، على فتح"كشك"صغير يبيع فيه"الفلافل"ليعيل أسرته. وبعدما لم يعد يتحمّل الوضع، هاجر إلى الخارج، حيث عمل في مهنته، وعُيّن في منصب رفيع المستوى في أحد المستشفيات السويدية. علي ليس وحده ممن يشدّون رحالهم إلى الغرب، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الخارجية الفلسطينية إلى أنّ"الكفاءات الفلسطينية"لها حصّة الأسد في الهجرة إلى الكثير من دول العالم، لا سيما الدول الاسكندنافية كالسويد والنروج والدنمارك، ودول أخرى مثل استراليا وكندا. وتمثل الولاياتالمتحدة مركز استقطاب للأدمغة الفلسطينية، إذ تشير تقارير حديثة نشرت في صحيفة"واشنطن بوست"ومجلة"نيوزيويك"، إلى أن 10 في المئة من مجموع الجالية المقدر بنحو 250 ألف فلسطيني مميز حاصلين على الجنسية الأردنية، هم من حملة الشهادات الجامعية من أطباء، مهندسين، محامين وأساتذة جامعات مثل المفكرين الراحلين إدوارد سعيد وهشام شرابي. وهاجر هؤلاء بهدف التخلص من وطأة الضغط الاقتصادي الإسرائيلي والسياسات التعسفية للاحتلال، والحصول على فرص عمل مفقودة في وطنهم الذي يعيش ضائقة اقتصادية قاسية. وتشير إحصاءات حديثة صادرة عن وزارة العمل الفلسطينية إلى أنّ الأراضي الفلسطينية المحتلة تحوي أكثر من 20 ألف خريج عاطل من العمل، تتركز غالبيتهم في قطاع غزة. تصفية واغتيالات ويرى الكاتب نضال العرابيد أن"من يتحدث عن هجرة الأدمغة الفلسطينية والعربية عموماً إلى الغرب، يتجنب، في الغالب، الخوض في ما يسمى بالتفسير التآمري"مؤكداً أن العلماء العرب"يتركون أرضهم بملء رغبتهم، إما للبحث عن مجالات أرحب للعمل في الغرب أو بسبب الوضع الأمني أو الاقتصادي". ويضيف أنّه نادراً ما يشير أحد إلى أن أصحاب هذه الكفاءات، ومنذ فترة،"أصبحوا أهدافاً ثابتة للإغواء أو التصفية، وان بعضهم يهاجر إلى الغرب ليس طمعاً بالمال أو الشهرة، لكن رغبة في الذوبان والعيش بأمان". ويتابع العرابيد:"هناك دور للوكالات اليهودية والموساد الإسرائيلي بالتنسيق مع حكومات البلدان المختلفة في أوروبا، وبتخطيط منهجي لتفريغ الأراضي الفلسطينية من خيرة شبابها وعقولها الفذة. والأشد غرابة أن دور مؤسسات المجتمع الفلسطيني يقتصر على عقد الندوات وتخصيص حلقات النقاش، وليس ثمة محاولات حقيقية لوضع حد لهذا التدهور الخطير، ومعالجة هذا الوباء الذي كثيراً ما تجاهلناه". ويشير الشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس والديار الفلسطينية إلى أن"أهم التحديات التي تواجهنا، بعد الاحتلال، هو تحدي التخلف-"، ويقول:"ومن المجالات التي نلاحظ فيها هذا التخلف هو مضمار البحث العلمي في شكل عام. فالعالم يمر بالثورة الثالثة ثورة المعلوماتية، في حين أنّ الأراضي الفلسطينية ومعظم الدول العربية لم تنل حظاً وافراً من الثورتين الصناعية والتكنولوجية. فنحن لا نعرف من العلوم الحديثة إلا القدر اليسير، ولم نهضمها بعد. كما أنّ الإحصاءات تشير إلى أن العالم الإسلامي يفقد يومياً قرابة الألف عالم. وهذا يعني أن من يتلقى منا تعليماً جيداً، يشد رحاله الى الغرب". ويرى صبري أنّ البحث العلمي يسير في أطر تقليدية لا تساعد في تكوين الباحث وتطوير التعليم. أما الباحث مجدي الدقيقي فيرى أن"لا بد من وضع سلّم رواتب معقول يفي بحاجات قطاع العاملين في التعليم الجامعي ليحول دون هجرة الكفاءات ويوفّر الدعم المادي المناسب للقادرين منهم على الإبداع في مجال البحث العلمي او النشر والتأليف، وتوفير مختبرات بحث حديثة ومتطورة تناسب العصر وتخصيص موازنات لدعم مشاركتهم في المؤتمرات وورش العمل في الخارج، وتحسين الخدمات التي يحتاجونها لأداء مهامهم مثل المكتبات الحديثة، خدمات الإنترنت والاتصالات وصيانة الحرية الأكاديمية والفكرية البعيدة من تدخل الدولة".