إلى أي مدىً تُشبه الصورة وما يحدثُ فيها، الواقعَ وما يحدث فيه؟ أي صورة تحديداً؟ الصورة في الفضائيات تُهيمن. تفرضُ نفسها. لا تسمحُ بتجاهلها. ربما يُمكن الجزم بذلك. لكن هل كسّرت، وصايا النخبويين والسياسيين والمتطرفين الأصوليين؟ هل اقتحمت فعلاً المنازل العربية، بصوتٍ عال؟ هل باتت تُشكل هاجساً لدى المناهضين للعنف والمدافعين عن حقوق الإنسان؟ شكّلتْ من قبل هاجساً لدى السياسيين. غزوها من خلف الكواليس. بعضُ علماء الدين الذي رفضها في أواسط العقد الثاني من القرن الماضي، يحضر فيها اليوم! بل لا يخرج منها! نظم المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت ورشة عمل إقليمية"لمناهضة العنف ضد المرأة من خلال الدراما العربية"، من 29 إلى 31 آذار مارس! شارك فيها كُتاب وكاتبات سيناريوات إضافة الى مخرجين ومخرجات ونقاد سبق أن أسهموا في صناعة أفلام ومسلسلات تطرح مشكلة العنف ضد المرأة، من مصر والسعودية والمغرب وسورية وفلسطين والأردن والكويت ولبنان. كان أحد عناوين جلسات العمل في الورشة:"نحو دراما عربية تُسهم في وقف العنف ضد المرأة". هل يحملُ العنوان"أدلجة"للدراما وبالتالي الفن؟ سبقت تلك الجلسة جلسات أخرى."واقع العنف ضد المرأة في الدراما العربية"وپ"تأثير العنف في الدراما في المجتمع"... تتوجه الاتهامات هنا إلى مسلسلات كثيرة على رأسها"الحاج متولي"، فپ"قاسم أمين"، فمسلسلات كثيرة ظهرت فيها المرأة ضعيفة ليس من حقها الدفاع عن نفسها، وخاضعة للرجل المسؤول عنها دائماً. في"قاسم أمين"تحديداً، المسلسل الذي يعرض حياة صاحب لقب محرر المرأة المصرية، لم يكتف العمل بالإشارة إلى العنف الجسدي. بل حُللت الصورة التي غرقت في القصور ونساء الباشوات والأميرات مثل ناظلي فاضل البادية دائماً في زينتها المبالغ فيها مثل الدمية.. لينطلق من هنا منحى آخر عن العنف نوقش في الورشة أيضاً وهو تحويل المرأة العربية في الكليبات والدراما إلى مستوردة لأحمر الشفاه ومساحيق التجميل وصبغات الشعر، بمعنى آخر تحويلها إلى مجرد سلعة. وهذا عنف آخر برأي المنظمة، إلى جانب تحويلها إلى امرأة خاضعة لسلطة قمع من الرجل. لم تتوقف الأمثلة، وعُرضت مقاطع كثيرة من الدراما العربية تُركز على العنف الجسدي في شكل رئيس. واقتصرت بعض المقاطع على أعمال حبيسة لبعض القوالب والقضايا الاجتماعية المكررة، وحبيسة لصورة نمطية عن المرأة والرجل العربيين. الأخير يضرب والأولى تُطيع! كان الجديد بالنسبة إلى المشاركين والمنظمة نفسها، التجربة الخليجية، وما وصلت إليه في هذا الجانب. كانت المفاجأة تحديداً ما عرض في الدراما الخليجية من مشاهد اعتبرها بعضهم جرأة لم يتلمسوها حتى في بعض الدول العربية. ونوقش ما قدمته تلك الأعمال في مناهضة العنف ضد المرأة عن غير قصدية. إذ على سبيل المثال بدا الزواج من أكثر من امرأة في الدراما الخليجية يقود الى فراق بين الإخوة ومشكلات عائلية في شأن المال، وترتب عليه أضرار في حق المرأة التي تعاني القهر. من هنا جاء التركيز على ما يقدم بعض الأعمال الدرامية العربية من إرباك وتشويش على مستوى مناهضة العنف ضد المرأة. بعيداً من تلك الأمثلة في الدراما العربية، هل يمكن للصورة أن تنطلق بلا واقع؟ ربما من هنا، ارتأت المنظمة أن تُطلع الكتاب والمخرجين المشاركين في الورشة عن قرب على العنف ضد المرأة، بحوار مع سيدات تعرضن للعنف، ومع عاملات في مؤسسات تناهض العنف ضد المرأة. إذاً سعت الورشة إلى طرح معلومات تحليلية عن العنف ضد المرأة في الدراما العربية والعنف ضدها على أرض الواقع وآليات لمناهضتهما. فتحت مساحة حوار تسمح بالنقد والتحليل والتأمل في دور المنشغلين بالدراما في خلق صورة واعية لكيفية معالجة مشكلة العنف ضد المرأة... هل تأخرت المنظمة كثيراً؟ هل سبقها السياسيون والمتطرفون والتجار إلى الصورة؟ كائنة ما كانت الإجابة، ماذا عن العنف في الصورة الحقيقية المنقولة مباشرةً؟ أليس انتقاء مشاهد بعينها في الأفلام الوثائقية والأخبار والبرامج... بحد ذاته تمريراً لفكرة أو أفكار؟ ألا يُشبه هذا الانتقاء، تركيبَ - مَنْتَجَة - مشاهد المسلسلات، وصوغ صُورها لتكون لغة درامية يفهمها كل بوعيه؟ إذاً، هل تطال يد منظمة العفو الدولية، يوماً، محرري الأخبار ومعدي البرامج والأفلام الوثائقية؟ هل تواصل اقتناعها بدور الصورة وهيمنتها وتكثف جهودها في هذا المجال؟ ماذا عن معارضي هذا النوع من المنظمات وأهدافها؟ هل يلتفتون إلى هيمنة الصورة؟ هل يقيمون ورشاً ويدعون أنصارهم من صناع الدراما إلى ما يكرس للعنف؟