لا ريب في أن مشكلة"الائتلاف"يسار الوسط الذي قاده رومانو برودي الى الفوز، هي امتلاك الشجاعة واليقظة الضروريتين لاجراء اصلاحات"محددة"وليبرالية لا غنى عنها في سبيل تثبيت ايطاليا في النظام الغربي بازاء الانحرافات والمنزلقات الشعبوية. وعلى هذا، فبلدي ليس مرتبطاً بالنظام الديموقراطي الغربي الا ارتباطاً جزئياً وضعيفاً. ولعل علاقته بالإعلام برهان على ذلك: فاحتكار التلفزيون التجاري كامل. والاجراء الليبرالي العاجل الذي ينبغي اقراره هو الغاء الاحتكار هذا، وانتزاع الإعلام من قبضة شخص فرد واحد، هو بيرلوسكوني، ورده الى السوق والمنافسة. وينبغي ان يكون في مستطاع الجمهور الاختيار بين ثلاثة تكتلات متنافسة على قنوات البث، عوض امبراطورية بيرلوسكوني. وأخشى ان يتردد يسار الوسط ويراوغ، ويتخلى في آخر المطاف عن كسر الاحتكار هذا، خوفاً من تهمته بالإقدام على"نزع ملكية على الطريقة البروليتارية"، أي عنوة. وثمة اجراء اصلاحي آخر يقضي بإلغاء سيطرة الاحزاب السياسية على التلفزيون العام. فالى اليوم، جرى التقليد على أن يعود نصف التلفزيون العام الى يسار الوسط، ونصفه الآخر الى يمين الوسط. والاحتذاء على المثال البريطاني، أو على المثال الاسباني، يؤدي الى صرم حبل السرة بين المصلحة المشتركة والعامة وبين نظام السيطرة الحزبية. والاجراء الثالث، وهو شرط طي البيرلوسكونية فعلاً وحقيقة، وإصلاح"محرر"على المعنى الدقيق، يتناول الفساد. فإيطاليا، رفعت العقوبة على تزوير الحسابات، على خلاف الولاياتالمتحدة التي تعاقبه عقاباً قاسياً. وتظهر الاصلاحات الثلاثة الملحة هذه ان مشكلة يسار الوسط ليست تنازعه الايديولوجي بل ضعف رغبته في اصلاحات جذرية ولا بد منها في سبيل ربط ايطاليا نهائياً بالغرب. و"الحرية، المساواة، المؤاخاة"هي عنوان هذا الغرب ووسمه. والمفارقة، بايطاليا شأنها بفرنسا، هي افراط بعض المحافظين في التخفي ب"القيم الغربية". وليس أبعد من"الهوية الغربية"من انصار الإكليركية الجدد هؤلاء. ومعظمهم يدورون في فلك"فورتسا ايطاليا"حزب بيرلوسكوني. فهم يسعون، من غير كلل، في محو تمييز الزمني من الروحي. ولعل رئيس مجلس الشيوخ، مارتشيللو بيرا، وهو يتصدر حركة ترفع لواء الدفاع عن الغرب، خير تمثيل على هذا النازع الى الإكليركية الجديدة. وعندما يزعم مارتشيللو بيرا محاورة البابا بينيديكتوس السادس عشر، فكلامه أقرب الى تقبيل المريد يد شيخه منه الى الحوار بين اقران وأنداد. وعلى رومانو برودي التصدّي لتحرير ايطاليا من حلف الإكليركية والشعبوية على الطريقة البيرونية الارجنتينية. فما شهدته وكابدته ايطاليا في الأعوام الاخيرة قرينة على ضعف علمانيتها. وما أنجز في اثناء الاعداد للإنتخابات العامة، مثل صوغ برنامج مشترك ليسار الوسط من طريق ندوات في انحاء ايطاليا كلها واطار"مصنع البرنامج""لا فابريكا ديل بروغراما" تمكنت الاجهزة الحزبية من حصره وتقييده. عن باولو فلوريس دارسيه مدير صحيفة"ميكروميغا"الايطالية، ومحاور الكاردينال راتسينجير قبل اعتلائه سدة البابوية اخيراً،"لوفيغارو"الفرنسية، 18/6/2006