منذ سنوات طويلة وأي حديث عن العلاقة بين السينما والتلفزيون، لا ينتهي إلا بالتأكيد على ان عصر الفن السابع انتهى، والسيادة الآن للشاسة الصغيرة. وحتى حين تنتج افلام سينمائية فإن عين المنتجين وغيرهم من اصحاب الافلام تكون على التلفزيون لأنه - بحسب تقديراتهم - المآل الاخير لكل فيلم. المحطة التي ستوصله الى الخلود وربما تؤمن للمنتجين استرجاع كلفته في نهاية الامر. اما اذا تركز الحديث في مرة او غيرها على السينما ونتاجاتها فإن ما يحدث في اكثر الاحيان هو ان الافلام المعنية بالحديث تكون من النوع"الجماهيري"المسطح الذي لا يمكن للفن السينمائي الحقيقي او الشعبي حتى، ان يفخر به. من هنا لم يكن غريباً ان نشهد خلال العقدين الاخيرين من الزمن هجرة المنتجين والفنانين السينمائيين، يلحق بهم المخرجون او يتبعونهم، الى العمل للشاشة الصغيرة، مؤجلين مشاريع لأختها اللدود، الشاشة الكبيرة، حتى تسنح ظروف افضل، هذا اذا لم يلغوها، هكذا وفي بساطة كلية. واذ يتأمل المرء هذه الحال، وهو حائر، أيفرح من اجل التلفزيون، بهذه الهجرة، ام يحزن لأجل السينما، يفاجأ بواحد من كبار اعلاميي التلفزيون ومن انجح نجومه ومنتجيه على مدى عقدين من الزمن على الاقل، وهو يقول لمن يحب ان يسأله عن مشاريعه التلفزيونية المقبلة، انه قرر ان يتوقف عن الانتاج للتلفزيون، ليتحول الى الانتاج السينمائي. هذا الاعلامي هو عماد الدين أديب الذي كان ترك قبل زمن برنامجه على قناة"أوربت"في عز نجاحه وتألقه ليتفرغ للانتاج التلفزيوني عبر شركة"جود نيوز". ثم هنا، وهو في عز انتاجه ونجاحه ايضاً، قرر ذات يوم ان في امكانه ان يبعث السينما من رقادها، فشرع في انتاج افلام، ربما أبرزها حتى الآن"عمارة يعقوبيان"وپ"حليم". ويبدو ان أديب استطاب اللعبة، وحتى من قبل ان يرد له أي من الفيلمين كلفة انتاجه الباهظة، ورأى ان الحياة اقصر من ان تضيع ايامها وجهودنا فيها بأعمال لا ترضي ذوقنا الفني، فوجد نفسه منساقاً الى السينما كفن حقيقي. من التجربة تعرف ان عماد الدين أديب يفعل عادة ما يقول. ولحبنا للسينما نعرف ان هذا الاختيار فيه كثير مما يرضي محبي السينما المؤمنين بقدرتها دائماً على الانبعاث من رمادها حين تتوافر لها الظروف. ومع هذا نجازف ونقول ان هذا الاتجاه المعاكس الذي يود صاحب"على الهوا"ان يسير فيه الآن، قد لا يكون افضل الخيارات... اذا كان معادله الموضوعي التخلي عن الانتاج للتلفزة. فمن شخص مثل عماد الدين أديب نتوقع دائماً نوعاً من العدل بين السينما والتلفزيون... طالما ان فناناً من طينته يعرف ان السينما من دون تلفزيون لم تعد ممكنة، والتلفزيون من دون سينما سيكون تلفزيوناً من دون فن حقيقي. هنا ولمرة نادرة لن يكون الاتجاه في الرحلة المعاكسة صواباً. لعل الصواب يكون اكثر في إمساك العصا من نصفها ورعاية الفنين على قدم المساواة والتوفيق بينهما. وفي يقيننا ان شخصاً مثل عماد الدين أديب، عرف دائماً كيف يوفق"على الهوا"بين غلاة المتخاصمين لن يكون صعباً عليه ان يوفق بين فنين يتكاملان في نهاية الامر.