في الفضائيات... المذيع السعودي عملة صعبة. المذيعة السعودية عملة أصعب. إذا جمع مشاهد عربي، في قائمة، مقدمي البرامج السعوديين ومذيعي الأخبار، هل يحتاج إلى أكثر من ورقة واحدة؟! الحديث هنا لا يشمل أربع قنوات سعودية - الأولى والثانية والرياضية والإخبارية. المعلنون يهتمون بالمشاهد السعودي. الفضائيات تُراعي المعلنين. على رغم ذلك لا تحتاج سوى إلى ورقة واحدة! ربما ربع الورقة! داود الشريان، وحده، يقدم برنامجاً عربياً. يستضيف، وحده، شخصيات عربية. هل ناقش سعودي سواه، في برنامج، الوضع السياسي في لبنان أو في مصر؟! كم عدد مقدمي البرامج السعوديين؟! هناك مذيعان سعوديان آخران بارزان. لكنهما، يميلان إلى القضايا السعودية. أحدهما له حلقات من برنامجه تَخرج عن القاعدة أحياناً. هل تبتعد منها كثيراً؟ إذا لم تكن القضية سعودية فستكون خليجية. ما الذي يجمع بين الثلاثة؟ داوود الشريان، تركي الدخيل، حسين شبكشي، صحافيون سعوديون. ثلاثتهم يقدمون برامج في قناتين فضائيتين "دبي"وپ"العربية". لا يزالون يكتبون المقالات، في صحف عدة. هم كتاب"أعمدة". ربما كان الشريان، الذي يكتب غالباً في السياسة، الأبرز بينهم في كتابة المقال. وربما كان واضحاً ميل شبكشي في مقالاته إلى الاقتصاد. وربما يميل الدخيل إلى المقالات الاجتماعية السوسيولوجية والفكرية أحياناً. لكن البرنامج غير المقال. الكتابة لا تطلب ما تطلبه الصورة. طموح مقدم البرامج غير طموح كاتب المقالات. لا تحمل الكتابة في مساحتها ما تحمله الصورة. لا تملك الكتابة جمهوراً يضاهي مشاهدي الشاشة الصغيرة. إلى أي مدى أثّر كل ذلك في برامج الثلاثة، بعيداً من المقارنة بينهم، ومن بزوغ نجم أحدهم على الآخرين؟ إضاءات على رغم أن"إضاءات"لا يحمل اسماً يدل على مادة صحافية كپ"التقرير"وپ"المقال"، فإنه برنامج حواري. يُشبه إلى حد ما الحوار الذي يُنشر في الصحف - من دون الأخذ في الاعتبار ما تقدمه الصورة - لكونه مسجلاً. يستضيف فيه الدخيل كل أسبوع ضيفاً. وكان قال في حوارات تلفزيونية وصحافية عدة، إنه يفضل الضيوف المثيرين للجدل أو"أصحاب القصة". ويعتمد برنامجه على مواجهة الضيف بكل ما يكال له من تهم. أي أن الأسئلة تعتمد على آراء الآخرين وماذا قالوا في شخص بعينه. يمكن اعتبار حلقة البرنامج مجرد"بورتريه". ليس"بورتريه"عادياً، يحكي عن شخصية وتاريخها، بقدر ما يُسلط الضوء على أراء شخصيةٍ أثارت جدلاً أخيراً مثل هيفاء المنصور ورجاء الصانع، أو تثير جدلاً منذ زمن مثل تركي الحمد وعبدالله الغذامي، أو أثارت ولا تزال تثير الجدل مثل عايض القرني. ما يعني أن الدخيل لا يعتمد في انتقاء ضيوفه على الحدث اليومي أو الأسبوعي بل على"القصة"، لكنه لا يمانع إن أمكن ذلك. كان ضيفه الأسبوع الماضي عميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر عائشة المناعي. وفي حلقة الجمعة أول من أمس، كان الضيف نائباً إسلامياً في مجلس الأمة الكويتي. سبقهما تسع حلقات كان ضيوفها سعوديين، باستثناء الكاتبة والصحافية البحرينية سوسن الشاعر، ورئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي. وإذا استثني وزير العدل الموريتاني السابق عبدالله بن بية، والإسلامي الجزائري عبدالله أنس، من ضيوف البرنامج الاثنين والعشرين الأخيرين، يبقى 20 ضيفاً خليجياً، معظمهم سعوديون! ويلفت أن اهتمامات وآراء الضيفين العربيين - بن بية وأنس ? تنصب على القضايا الفكرية الإسلامية، وإن اختلفت توجهاتهما. لكن، لا تقتصر استضافة"الفكر الإسلامي"، بتعدد توجهاته، على الضيوف العرب، في البرنامج. بل ينسحب ذلك على ضيوفه الخليجيين والسعوديين في أحيان كثيرة. المقال ربما يختلف برنامج"المقال"لداود الشريان عن أي برنامج حواري آخر، بكون مقدمه يكتب مقالاً يقرأه في آخر الحلقة. وهنا يمتد دور الشريان ليكون صاحب رأي يرتكز فيه على حوار يُجريه مع ضيفه. وكأنه في ذلك يُجري حواراً مطولاً مع شخصية، في صحيفة، ويكتب رأيه في زاوية في الصفحة ذاتها التي ينشر فيها المقال. يعتمد الشريان في معظم حلقاته على حدث سياسي. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يختار المقدم السعودي الذي له باع في كتابة المقال، ضيفه، بناء على فكرة اختارها لمقاله - المكتوب ? مسبقاً؟ أم يكتب المقال استناداً الى الحوار؟ وعلى سبيل المثال، هل كان"حَسَمَ"رأيه بشأن الشاهد في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هسام طاهر هسام، قبل أن يجري معه الحوار؟ إذ ان الشريان بدا في تلك الحلقة"مُحققاً"يحاول أن يتصيد أخطاء"المتهم"هسام. وفي هذه الحلقة تحديداً، كانت أسئلة الشريان لحظية تُبنى على إجابات هسام لأسئلة سابقة، في الحلقة ذاتها. ولم يكن الهدف تسليط الضوء على شخصية هسام وماذا رأى وماذا سمع، بقدر ما هي محاولة للوصول إلى خيوط تكشف هل ما قاله في الإعلام حقيقة أم تلفيق؟ من هنا ومن مقابلات أخرى مميزة كثيرة، مثل مقابلة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، يظهر أن أسئلة مقدم"المقال"لا تبحث في شخصية الضيف وأرائه الفكرية، بقدر ما تبحث عن إجابات عميقة لتخدم المقال الذي يُقرأ. وهذا ما يميز البرنامج عن غيره من البرامج الحوارية. كائنة ما كانت الحال، يخرج أحياناً ضيوف الشريان عن قاعدة"الحدث". لكن برنامجه لا يندرج أبداً ضمن قاعدة"الاهتمام بالمشاهد السعودي وقضاياه"، حتى لو حضر ضيف سعودي بين الحين والآخر. التقرير يحضر حسين شبكشي من ثلاث إلى خمس مرات في الأسبوع، بين السبت والأربعاء. وعليه، يعتبر برنامجه"التقرير"يومياً إلى حد ما، ويعتمد على الحدث في شكل رئيس. لكن حدث"التقرير"يختلف عن حدث"المقال"السياسي وحدث"إضاءات"الفكري الاجتماعي. يهتم شبكشي بالاقتصاد، تحديداً السعودي. نادراً ما يشذ تقريره اليومي عن ذلك. ففي ال40 حلقة الأخيرة لم يخرج عن قاعدة"الاقتصاد السعودي"، سوى في ثلاث حلقات:"حالة توازن في البورصة المصرية تقود السوق نحو الصعود"، وپ"قضية اليوم الاكتتاب على مصرفين في البحرين"، وپ"انطلاقة مؤتمر دافوس وأهمية الحضور العربي فيه". ولم تقتصر حلقة البورصة المصرية على حال السوق المصرية، بل افتتحت بمناقشة التطورات والتشريعات في البورصة الكويتية! بدأ شبكشي برنامجه تحت عنوان عريض هو"الاقتصاد"بتركيز واضح على الاقتصاد السعودي. ثم تحول إلى"الحدث"الاقتصادي في السعودية، مرغماً، ليكون المحور الرئيس في ال30 حلقة الأخيرة من برنامجه هو سوق المال السعودية والأسهم وتأججها، باستثناء حلقتين:"وضع السكك الحديد في السعودية"وپ"ملتقى شباب الأعمال آمال وطموحات". يستضيف"التقرير"في كل حلقة ضيفاً أو اثنين. يقدم تقريراً يعنون بپ"قضية اليوم"، وآخر يعنون بپ"الملف الساخن"حل محله أخيراًپ"صوت السوق". ليكون البرنامج أشبه بصفحة ترتكز على ثلاث مواد: الأولى حوارية تستقي أسئلتها من مادة"قضية اليوم"وپ"صوت السوق"أو"الملف الساخن". بغض النظر عن كل تلك التشبيهات، والمقارنة بين البرامج الثلاثة ومقدميها، هل يبدو أن الصحافيين الثلاثة نقلوا مشروعهم الصحافي إلى شاشات الفضائيات؟ يُمكن الجزم بأن الدخيل وشبكشي خضعا لقاعدة"الاهتمام بالمشاهد السعودي وقضاياه"، سواء فُرض عليهم ذلك أم لم يفرض. لكن هل يمكن الجزم بأن بزوغَ نجمِ مذيعٍ سعودي رابع يقتضي أن يكون صاحب مشروع صحافي سياسي أو اقتصادي أو فكري، وكاتب"عمود"معروفاً؟!