تصحو عند الخامسة فجراً. تصل إلى مكتبها السادسة والنصف، كحد أقصى. تجلس أمام الكومبيوتر. تتصفح مواقع الجرائد الخليجية. تقرأ أخبار الوكالات. تنتقي. تُدوّن. يبدأ "الفريق" تسجيل التقارير قبل التاسعة صباحاً. تقترح أسماء الضيوف، وأسماء أخرى في حال اعتذر أحد عن الظهور في برنامجها. عند الواحدة، تخرج من غرفة تصفيف الشعر، لتستعد للظهور مباشرة أمام المشاهدين تمام الثانية ظهراً. تعود إلى أطفالها الخامسة عصراً... كل ذلك في ظل الوضع السياسي المتأزم في لبنان. إنها المذيعة رانيا الباز صاحبة برنامج"صفحات خليجية"على"المستقبل"... وهي ليست المغتربة السعودية الوحيدة في لبنان. انتقلت ظاهرة"البرامج السعودية"من دبي إلى بيروت، بعد منتصف العام الحالي. بدأت ببرنامج وحيد، هو"كلام في الحرب"، على الپ"ال بي سي"."البرامج السعودية"، هنا، تعني تلك التي يقدمها سعوديون، وتحديداً البرامج اليومية. ذاع صيت"برامح سعودية"في دبي، منذ أكثر من عام. دشن الظاهرة تركي الدخيل في"إضاءات". حضر داود الشريان في"المقال". سمح"التقرير"مع حسين شبكشي، لپ"البرامج السعودية"، باختراق فئة البرامج اليومية على الفضائيات. صار لتوقيت السعودية الذي تعتمده معظم القنوات، معنىً، على الأقل لحظة الإعلان عن توقيت برنامج سعودي. مغتربون برنامج المذيعة السعودية رانيا الباز"صفحات خليجية"لحق، قبل أيام،پ"عيشوا معنا"الذي سبقه بشهور. الصحافي علي العلياني اشترك مع الإذاعية وپ"المصرفية"منى سراج في تقديم"عيشوا معنا". لحقت بهما زميلتهما غادة مصلي، أخيراً. بعيداً من الخبرة في مجال تقديم البرامج، ومن محتوى البرنامجين، أربعة مذيعين سعوديين مغتربين في لبنان. شاب وثلاث فتيات! رانيا الباز وعلي العلياني عاشا الحرب في لبنان. الحرب الإسرائيلية على لبنان. لم يعودا إلى السعودية حينها. قررا العيش إلى جانب اللبنانيين، فهما يعملان هناك."لو بدأت أمراً، لا يمكنك إنهاءه بسهولة". واسى كل منهما الآخر. يسأل أحدهما، حين يجد الفرصة، عن حال الآخر. يطمئن عليه. اليوم انضمت إليهما فتاتان. زاد عدد زملاء المهنة. رانيا تعمل جاهدة من الخامسة صباحاً، تستخدم خبرتها في مجال التقديم. علي يستخدم خبرته في الصحافة. يحاول توجيه زملائه الذين يعملون جاهدين على إعداد تقارير من السعودية. منى تشارك في قراءة الأخبار يومياً. تأتي إلى الاستوديو حتى في يوم إجازتها. غادة تجتهد أيضاً. أربعة مغتربين سعوديين أمام الكاميرا يقدمون، ويعملون بجد خلفها. يجلس المشاهد أمام التلفزيون. يغضب من هذه الكلمة أو تلك العبارة. يجلس الناقد وبيده كوب شاي. ينظر إلى شاشة"ال بي سي"عند الواحدة. يختار مشاهدة"المستقبل"عند الثانية. يضحك. يعلق:"الفضائيات اللبنانية تستغل الشبان السعوديين، لتقديم مادة سعودية"! هذا ليس عيباً. بات الجميع يعرف أن المشاهد السعودي هو هدف القنوات. المشاهد السعودي هدف الفضائيات لأنه هدف المعلن. الأخير هو صاحب القرار. هل يجلس الشبان ومقدمو البرامج التلفزيونية السعوديون في بيوتهم لأن القنوات تبحث عنهم لإرضاء المعلن؟! هل يحصرون أنفسهم بالقنوات الرسمية والوظائف المكتبية أم يستغلون الفرصة؟ إرضاء النقاد ليس سهلاً. إرضاء الجمهور ليس سهلاً أيضاً. من قال إن النجاح سهل؟ لكن الأكيد أن المقدمين السعوديين لا يجلسون أمام الكاميرا فقط في القنوات اللبنانية، بل خلفها أيضاً، مغتربين. الصحافة والتلفزيون تعيش في"عيشوا معنا"يومياً، إلى حد ما، الأسهم والأخبار والقضايا الخليجية، خصوصاً السعودية. تشاهد زوايا تحكي عن الفن والكتب والصحة. تحضر القضايا الاجتماعية في شكل رئيس: الاغتصابات، الفساد، الفقر، مجلس الشورى وقراراته... يبتعد"الخط الأحمر"قليلاً من مكانه المعتاد في الصحافة الخليجية، وفي فضائيات أخرى كپ"العربية"وپ"الإخبارية". تقرأ في"صفحات خليجية"تحليلاً لما طرحته الصحافة. أسئلة سياسية في الغالب تُطرح على الإعلاميين. التركيز في هذه"الصفحات"على التوجه الإعلامي، على مضمونه، على أنت مع من؟ ولمَ؟ على قضية الصحف الخليجية، خصوصاً السعودية، اليوم. تشعر أن السياسة حاضرة أكثر من غيرها في"صفحات خليجية". يبتعد"الخط الأحمر"قليلاً من مكانه المعتاد في"صفحات خليجية"أيضاً. إلى أي مدى يعتمد البرنامجان على الصحافة؟ على أي حال، هذا ليس مقالاً تحليلياً. ليس نقدياً. مجرد تحية لسعودية تعمل في مجال تقديم البرامج منذ 12 عاماً، تجاوزت محنتها لتعود إلى العمل في الإعلام الذي استغل قضيتها. تحية الى شاب سعودي يعمل في لبنان. راهن على نفسه وترك بلده ووظيفته. تحية لفتاتين لم تتجاوزا عقدهما الثالث، وتراهنان على الإعلام، خصوصاً منى التي تركت وراءها وظيفة مصرفية وإذاعية في آن. أضف إلى كل ذلك: نقل اللبنانيون العدوى إلى الأربعة. نقلوا إليهم عدوى الصمود على رغم كل الأزمات. هم صامدون مثل غالبية اللبنانيين. حين تعكس الصورة وعي الفرد تقدم قناة الإخبارية "السعودية"، كل يوم، فقرة تحمل عنوان "سؤال اليوم". "الإخبارية" قناة فضائية. "سؤال اليوم" خاص بالسعودية. يتحدث السعوديون في هذه الفقرة من الشارع من مناطق مختلفة. يتحدثون من دون تهيئة أو تفكير. يجيبون بسرعة وفي لحظات. يجيبون على سؤال يبدو سهلاً وتافهاً أحياناً. ليس هناك مكان للشكر، أو وقت. المتاح هو الإجابة فقط. الإجابات تعكس وعي أفراد من أطياف عدة، ثقافية واجتماعية. تعكس كل إجابة على حدة، وعي أكثر من فرد، طبعاً. تشير إلى أن هناك من يفكر بهذه الطريقة. الأسئلة أيضاً تختلف. بعضها يخص الدوائر الحكومية. أخرى تعنى بالثقافة الاجتماعية. أسئلة كثيرة تسأل عن العادات والتقاليد. المشاهد العربي يستطيع أن يتعرف الى السعودي من قرب، لو شاهد فقرة"سؤال اليوم". يقرأ فيها طريقة تفكير فرد سعودي. يقرأ فيها أطيافاً عدة بعيداً من الروايات والبرامج السعودية على الفضائيات. في برنامج"عيشوا معنا"الذي يعرض على"ال بي سي"، يتصل مشاهدون سعوديون كثر. كل واحد منهم يعكس وعي فرد، وربما يعكس وعي فئة. يعلق المتصلون بپ"عيشوا معنا"، على فقرات، وعلى كلام ضيوف أحياناً. يمكن المشاهد العربي أن يتعرف الى السعودي أكثر لو استمع إلى المتصلين. لو انتبه إلى ما وراء العبارة أو الكلام الذي يقوله المتصل. في إحدى حلقات"عيشوا معنا"اعترض متصل على رواية عبدالله ثابت الإرهابي 20. الأخير كان ضيفاً على"عيشوا معنا". سأل مقدم البرنامج المتصل:"هل قرأت الرواية"؟ كان جواب المتصل بكل ثقة:"طبعاً لا"! هو ليس في حاجة إلى قراءتها، كي يحكم عليها! هكذا بدا الأمر. سأله المقدم:"كيف حكمت"؟ قال:"من إيماءات عبدالله ثابت في الصورة"! ربما كان هناك سعوديون كثر يوافقون المتصل الرأي! وربما كان هناك أكثر منهم بكثير، يختلفون عليه بل يضحكون من إجاباته. كائنة ما كانت الحال، ربما تعكس الصورة في"البرامج السعودية"وعي الفرد. ربما تعكس وعي فئة بعينها. هذا طبعاً في البرامج التي يتاح فيها للفرد الاتصال.