في ظل زخم الفضائيات العربية، لا شك في أن معظم القنوات تحاول استقطاب أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، وفي الوقت الذي يصف البعض فيه حال البرامج العربية بأنها متأرجحة بين ما هو مستهلك و"هابط" فنياً، تظهر برامج أخرى قد تجبرك على متابعتها. لكن، ربما كان ذلك الزخم يشير إلى سيطرة ثقافة الصورة أخيراً على شرائح مختلفة من المجتمعات العربية، خصوصاً تلك التي لم تعتد القراءة أو استقاء المعلومة من غير المدارس الحكومية والمناهج المتعارف عليها. وإذا كان "معظم صغار السن والشباب يميلون إلى البرامج الفنية والرياضية والكليبات الغنائية، وبعض قنوات الأفلام السينمائية، فهناك نسبة لا بأس بها تفضل الأفلام الوثائقية والبرامج الحوارية سياسية كانت أم ثقافية"، بحسب ما يقول ناصر عسيري، مالك شركة إنتاج في مدينة جدة، إذ تهتم شركته بإعداد أفلام وثائقية وتقارير وتحقيقات تلفزيونية لقنوات خليجية مختلفة. ظاهرة! برنامج "إضاءات" الذي يقدمه الزميل تركي الدخيل على قناة "العربية"، حقق شهرة على مستوى المشاهدين الخليجين على الأقل، ظهرت جلية في الصحف المحلية السعودية وبعض الصحف الخليجية، وفي بعض مواقع الشبكة العنكبوتية، خصوصاً موقع العربية الذي يشرف عليه تركي نفسه. إضافة إلى أن بعض الحلقات حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ومنها الحلقة التي استضاف فيها أمير منطقة عسير الأديب والشاعر الأمير خالد الفيصل، تحت عنوان "الإرهاب"، وتحدث فيها الفيصل بشفافية وصراحة، إذ لم يبخل على مقدم البرنامج في الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحها في شكل واضح. وربما كانت هذه الحلقة نقطة انطلاق قوية للبرنامج، لتأتي بعد ذلك حلقة المفكر والكاتب السعودي تركي الحمد التي لم يتوان الدخيل فيها عن مناقشة الحمد في معظم أفكاره التي أثارت الجدل حوله ودفعت البعض إلى تكفيره. وإن كان ل"الليبراليين" كما نعتهم الدخيل حظ وافر في حلقاته، فللمحافظين أو "المتشددين" كما يصفهم البعض مثل ذلك الحظ أيضاً. فمن زعيم السلفية في البحرين إلى الشيخ سلمان العودة في الحلقة قبل الأخيرة. لا شك في أن اختيار تركي لضيوفه كان له الدور الأبرز في تسليط الضوء على برنامجه "إضاءات". وكانت إحدى الصحف الكويتية ذكرت أن "الدخيل بات وجهاً مألوفاً ومطلوباً، ليس من التيارات السياسية، بل من الجمهور الذي تفاعل معه"، إذ ان الدخيل "أنصف الجمهور بأسئلته التي تعبّر عما يختلج في نفوسه، للوصول إلى فهم ومعرفة ما يدور في فكر النخبة". يبدو أن الدخيل نجح في أن يبرز كإعلامي سعودي في عالم الفضائيات العربية، على رغم أن فترة عرض برنامجه الأسبوعي لم تتجاوز الأربعة أشهر، ما يقود إلى سؤال في شأن إن كان الدخيل سيشكل ظاهرة سعودية قد تختفي؟ كما حصل مع مذيع قناة "أوربت" سعود الدوسري، وغيره من المذيعين السعوديين، بعيداً من المقارنة، ومع الأخذ في الاعتبار الاختلاف بين ما قدم كل منهم. وربما كان اللافت، وجود برامج أخرى تتشابه و"إضاءات" لكنها لم تحقق شهرته، كبرنامج "المقال" الذي يقدمه الزميل داوود الشريان، على رغم أن البرنامج الأخير يطرح قضايا أعمق وأشمل، إضافة إلى أنه استضاف شخصيات لا تقل أهمية عن تلك في "إضاءات"، بل وتصادف أن استضافا الشخصية نفسها، في أوقات مختلفة. جاذبية على أي حال، تظل القضايا السياسية والشخصيات المثيرة للجدل، والأسئلة الحساسة التي يفصلها عن المحظور شعرة، ويطرحها تركي الدخيل في برنامجه، أكثر جاذبية بالنسبة إلى معظم فئات المجتمع الخليجي، من البرامج الأخرى. حتى من برنامج دسم بمادته الثقافية ك"روافد" الذي يقدمه أحمد علي الزين في العربية أيضاً ويستضيف فيه شخصيات فكرية وثقافية من مختلف الدول العربية. بقي أن نذكر، أنه لا يمكن إغفال الدور التسويقي الذي يلعبه بث برنامج "إضاءات" عبر راديو "بانوراما" تزامناً مع وقت عرضه على الشاشة، إذ تحظى محطات FM باهتمام شريحة واسعة في المجتمع السعودي والخليجي.