يشكّل توافر التمويل عقدة أمام نمو العقارات في السعودية، لكنها ليست بالحدة نفسها كما في الدول النامية الأخرى، والسبب وجود مستوى معين من الإقراض الحكومي للإسكان وثروة ومعدّل دخل مرتفعين نسبياً، بحسب تقرير عقاري عن مجموعة"سامبا"المالية السعودية. كذلك كان توافر التمويل المنخفض الكلفة عاملاً آخر لمساعدة الطلب على العقارات. ومنذ تأسيس صندوق تنمية العقارات الحكومي عام 1974 وحتى 2003، تمكّن هذا الصندوق من تأمين ما يوازي نحو 123.2 بليون ريال في شكل قروض من دون فائدة لبناء أكثر من 560 ألف وحدة سكنية. بيد أن الطلب على قروض الصندوق يتخطّى المتوافر بأشواط. وتبعاً لبيانات الصندوق لعام 2002، تمت الموافقة على واحد من أصل 4.7 مقدم طلب. ويشاع، بحسب التقرير، أن سجل المتقدمين للحصول على قروض قد يمتد لأكثر من عقد. ونحو ثمانية في المئة من كلّ الوحدات السكنية المبنية في سنة هو بتمويل من صندوق تنمية العقارات. ويقدر أنّ 86 في المئة من كلّ المنازل التي تُشترى يُدفع ثمنها نقداً وتموّل الستّة في المئة الباقية من المصارف والشركات المالية. وفي آب أغسطس عام 2005، تلقى صندوق تنمية العقارات تسعة بلايين ريال إضافية في رأس المال لتنمية نشاطاته الإقراضية، لكن سبل الصندوق المالية لتلبية الطلب المتزايد على الإسكان في البلاد سيبقى محدوداً. وتتلقى الرياض نحو 30 في المئة من قروض صندوق تنمية العقارات، وتتبعها المنطقة الشرقية ومنطقة مكةالمكرمة مع نحو 25 و22 في المئة على التوالي. وبحسب"سامبا"، تُمول أكثرية الوحدات السكنية بالإجمال من المدخرّات الخاصة في المملكة لأنّ البنية التحتية القانونية لا تسمح بعد بقروض المصارف التجارية للرهن العقاري. وتتمّ دراسة قانون رهن تجاري لتصحيح هذا العائق. كذلك بدأت تظهر شركات تمويل من القطاع الخاص، وهي تعطي قروضاً للراغبين في امتلاك قطعة أرض ووحدات سكنية. وبعض شركات التمويل هذه مستقل، لكن النزعة المتزايدة ستتألف من مطوري العقارات الذين سيؤسسون مؤسسات تمويل موازية، بطريقة مشابهة لوكلاء السيارات الذين أنشأوا عمليّات تمويل السيارات إضافة إلى وكالاتهم لبيع السيارات. ويمكن المدخول أن يدعم قروض الرهن العقارية. فمن الأرجح أن يساعد نمو إجمال الناتج المحلي القوي والانخفاض الإضافي في النمو السكاني على ارتفاع المدخول للفرد إلى أكثر من 15 ألف دولار بحلول عام 2010. وفي السنوات القليلة المقبلة، توقّع تقرير"سامبا"الموافقة على قانون الرهن التجارية، ما سيعطي دفعاً لنمو العقارات. وسيطلق توافر التمويل للديون طلباً مكبوتاً كبيراً للعقارات السكنية. وخلال السنوات القليلة الماضية، بقيت الفوائد منخفضة في السعودية. فبسبب تثبيت العملة، تتبع معدلات الفوائد في المملكة معدلات الفوائد في الولاياتالمتحدة. ومع مرور الزمن، سيربط الاعتماد الأعلى على الرهن العقاري أسعارَ العقارات ونشاطها بحركة معدلات الفوائد، وهذا ليس الوضع حالياً. وستؤثّر أنواع خدمات الرهن في سوق الإسكان والاقتصاد ككل. كما تبين البحوث أن البلاد التي لديها قروض رهنية عقارية تتمتّع بأسعار إسكان أفضل سلوكاً وبتأثيرات سلبية أقل على الاقتصاديات جراء تغيّرات أسعار المنازل من الاقتصاديات التي لا يتوافر فيها الرهن. سوق الإسكان ويفضل معظم السعوديين الفيلات، سواء كانوا في المدن أو في المناطق الريفية. فنحو 45 في المئة من اجمالي الوحدات السكنية فيلات وشقق دوبلكس. ويعزى ذلك إلى حجم العائلة الكبير معدّل 6 أشخاص في المملكة، وتوافر الأراضي، وقدرة الحصول على رأس المال، واليد العاملة غير الباهظة. كما تشيع نزعة أخرى في المملكة هي انخراط مالكي المنازل المتوقّعين في عملية البناء الكاملة لمنازلهم. ويبدأ ذلك باختيار الأرض وينتقل إلى التصميم واستخدام المتعاقدين، وغالباً التفاوض على أسعار مواد البناء، وأخيراً اختيار المواد النهائية والتزيين لمعظم الغرف. ويغيّر ذلك بطرق عدة ديناميكيات قطاع بناء المنازل، وذلك لوجود الكثير من الجهات الوسيطة المنخرطة في كل عملية بناء، وهذا يحدّ من ظهور متعاقدي بناء كبار شاملين. ويبني متعاقدون متوسّطو الحجم معظم الوحدات السكنية، لا سيما الوحدات السكنية الفخمة. نوعية الإسكان ومع ازدياد نضوج سوق الإسكان، يتوقّع أن تتحسن نوعية الإسكان أيضاً. فمعدل أمد حياة الوحدة السكنية في المملكة يناهز 30 سنة مقارنة مع معدّل يبلغ 90 سنة في ألمانيا. وتزداد الشقق السكنية شعبية في شكل تدريجي في المملكة. فتبعاً لأحدث البيانات، تشكّل الشقق 32 في المئة من إجمالي المنازل في السعودية. ويختار المغتربون والعائلات الصغيرة والسعوديون المتزوّجون حديثاً من دون أولاد عادة هذا النوع من المنازل. ويستأجر السعوديون والمغتربون على حد سواء معظم الشقق، إذ ان امتلاكها غير شائع في السعودية. وفي العقدين المقبلين، سيتزداد الميل الى الشقق في أرجاء المملكة مع دخول السعوديين الأكثر شباباً سوق العمل، كما ستدفع حساسية المدخول هذا القسم من السكان إلى اختيار منازل أقل كلفة. وسيقدّم تغيير في ارتفاع المباني حوافز لبناء مبان شققية متعددة الطوابق في الرياض وفي المنطقة الشرقية. وتشهد جدة حالياً نمواً كبيراً في المباني الشققية. الطلب على الإسكان تبعاً لمسح جرى في عام 2004، بحسب"سامبا"، ارتفعت نسبة الإشغال السكنية نسبة الوحدات السكنية الإجمالية المسكونة بين عامي 1992 و2004 بنسبة 3 في المئة سنوياً فيما نما عدد السكان بنسبة سنوية قدرها 2.45 في المئة. وفي عام 1992، بلغ العدد الإجمالي للمنازل المسكونة 2.89 مليون وحدة سكنية، بينما وصلت إلى 3.99 مليون وحدة عام 2004. وخلال هذه الفترة الممتدة على 12 سنة تم إشغال نحو مئة ألف وحدة كل عام. كما انخفض معدل حجم الأسر في المملكة إلى 5.6 أشخاص عام 2004، بعد أن كان المعدل 6 أشخاص عام 1992. ويمكن عزو ذلك بالإجمال إلى الميل للابتعاد عن مفهوم العائلة الكبيرة عيش الأهل والأولاد والأحفاد. ومع تطور المجتمع، يتوقّع أن تستمر هذه النزعة. ويقدّر أن معدل حجم الأسر سيتقلّص إلى 5.1 أشخاص للأسرة بحلول عام 2020. وتؤثر عوامل عدة في سوق الإسكان. فنمو السكان، وكلفة رأس المال، والمدخول للفرد، وكلفة المعيشة، وأسعار الإيجار، وتوافر أدوات تمويل المنازل مثل الرهن ونسبة الإشغال وعرض الوحدات المنزلية، كلّها تؤثر في هذا القطاع. ويقدر أن إجمالي مخزون الإسكان في المملكة كان 4.39 مليون وحدة في عام 2004. ويبقى نحو 10 في المئة من إجمال مخزون الإسكان في السعودية غير مسكون. وتشمل هذه النسبة الوحدات التي تبقى غير مسكونة لمختلف الأسباب ومن بينها انتقال الناس من مكان إلى آخر. ويقدر أن إجمالي مخزون الإسكان سيبلغ 7.01 وحدة حتى عام 2020. وخلال الفترة نفسها، سيُبنى نحو 2.62 مليون وحدة سكنية، بمعدّل وسطي يبلغ 16375 وحدة في السنة. ويقدر أن 2.62 مليون وحدة سكنية ستتطلب 1.20 تريليون ريال سعودي من الاستثمارات الإجمالية بغية تلبية الطلب غير المعدل حسب التضخّم حتى عام 2020. وستؤثر كلفة مواد البناء وأنواعها فضلاً عن أساليب البناء في السعر النهائي للوحدات السكنية الذي لم تدخله"سامبا"في نموذجها. وعلى قاعدة إجمالي مخزون إسكاني، يقدر أنّه ستكون حاجة إلى 75 بليون ريال سعودي سنوياً لبناء ما معدله 163750 وحدة سكنية في السنة. وستعطي خدمات الرهن السعودية القدرة على شراء فيلات ومنازل دوبلكس، وعلى الابتعاد تدريجاً عن ميلهم الحالي لاستئجار الشقق بين الشبان والمنازل التقليدية في المناطق الريفية بالإجمال. إلى ذلك، ستغيّر خدمات الرهن سوق الإيجار، إذ سيجد معظم الأزواج الحديثي الزواج، الذين يفضلون وحدات الإيجار لانخفاض كلفتها، أنّ من الأسهل شراء شقة أو منزل. وسيسمح استحداث خدمات الرهن لسوق العقارات في المملكة بتطوير ميزات أسواق أخرى يدفعها الرهن من ناحية أسعار العقارات المتزايدة. نموّ بفضل الطلب ورأى تقرير"سامبا"أن سوق العقارات يدفعها الطلب بالإجمال وليس المضاربة. هذا لا يعني أن الاندفاعات إلى المضاربة لم تكن ظاهرة خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما نحو قطع الأراضي البور. وما زال الارتفاع في أسعار المنازل يدفعه بالإجمال عامل الطلب، وهو بالتالي غير متقلّب عامّة. ومن المؤشرات المهمة للمضاربة على العقارات هناك نسبة الأسعار إلى الإيجارات، والتي تعرف عادة بمعدّلات عائدات الإيجارات. إذ يفترض بسعر المنزل كاستثمار أن يعكس الأرباح المالية للملكية عن مدخول الإيجارات، وأن يقارَن في شكل مؤات مع فئات موجودات أخرى تتحلّى بالمخاطر ذاتها. وكلما كانت عائدات الإيجارات أقل زاد احتمال الإفراط في تقويم المضاربات في سوق ما. وتتراوح العائدات في الرياض للوحدات السكنية بين 6.5 في المئة و8.3 في المئة للمساحات التجارية. وتعتبر هذه العائدات متوسطة إلى عالية المستوى في مجال عائدات الإيجارات في أسواق عدة، ما يوحي بأن السوق بالإجمال ليس زائدة التسعير بالمعايير الدولية. وتعطي عقود الإيجار الأفضلية لمالك الأرض، مع فترة دنيا مدتها سنة واحدة وإيجار مدفوع مسبقاً. ولسنوات كثيرة، كانت المضاربة على الأراضي البور في المناطق الثانوية من الأراضي الفخمة جلية في المملكة. وهذا النوع من المضاربة أقلّ بروزاً في سوق الإسكان والمساحات التجارية. والعامل الوحيد الأهم الذي يفرّق سوق العقارات السعودية عن دبي مثلاً هو غياب الملكية الأجنبية. فمنذ عام 2000، سُمح للسكّان غير السعوديين بامتلاك عقارات لمسكنهم الشخصي مع إذن من وزارة الداخلية. كذلك يُسمح بملكية المستثمرين الأجانب للعقارات للقيام بنشاطاتهم العملية وإيواء موظفيهم. لكن لا يسمح لغير السعوديين بامتلاك عقارات في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة. بيد أنه لا يتوقع أن يستثمر غير السعوديين بقوة في العقارات. اللاعبون وأكدت"سامبا"في تقريرها أن نمو سوق العقارات جذب على مر السنوات الكثير من الوافدين الجدد، إذ يوجد نحو 3500 شركة منخرطة في تنمية العقارات في المملكة. ويقدر أن نحو 37 في المئة منها يقع في المنطقة الوسطى، و34 في المئة منها في المنطقة الغربية، و29 في المئة في المنطقة الشرقية. ومن ناحية لاعبي السوق، يبرز تفتّت بسبب وجود الكثير من مطوري العقارات الصغار. ويقدر أن أكثر من 80 في المئة من الشركات العقارية في المملكة هي شركات صغيرة وغالباً غير مسجلة. أما بقية السوق فمقسومة إلى 30 لاعباً كبيراً يختصّون في تنمية العقارات، وتجمّعات متنوّعة ذات اهتمامات في العقارات، وشركات خاصة متوسطة الحجم ذات اهتمامات في تنمية العقارات أيضاً. وفي سوق الإسكان، تملك الشركات الصغيرة جداًَ حصّة تبلغ 25 في المئة من السوق. أما شركات البناء الثلاثون الكبرى فتملك 20 في المئة من السوق، وتتبعها التجمّعات المتنوعة مع نسبة 30 في المئة والشركات المتوسطة الحجم بنسبة 25 في المئة. وفي قطاع العقارات التجارية، تسيطر شركات البناء الكبرى مع التجمعات المتنوعة على السوق. وبسبب حدّة رأس المال، يبقى وجود اللاعبين الصغار ضئيلاً في قطاع بناء العقارات التجارية. وعلى عكس المطورين المدعومين من الحكومة، كشركتي"إعمار"و"النخيل"في دبي، لا تلعب الدولة دوراً مهماً في تطوير العقارات في المملكة. ومقارنة مع شركات العقارات الخاصة، يبقى انخراط وزارة الأشغال العامة والإسكان وأقسام الحكومة المختلفة الأخرى والبلديات صغيراً في العقارات. أما المطورون الصغار فيسيطرون على سوق الإسكان، ربّما بسبب عوائق الدخول المنخفض. وسيتغيّر هذا الوضع في السنوات المقبلة مع بناء المطورين الكبار مجمعات سكنية كبيرة في شكل متزايد. * ترجمة "دار الحياة" عن الأصل بالانكليزية.