يفعل الاوروبيون والاميركيون منذ فوز"حركة المقاومة الاسلامية"حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الخامس والعشرين من كانون الثاني يناير عكس ما يقولون في اطار التعامل مع الحكومة الفلسطينية التي تقودها"حماس"، وبالتالي في تعاملهم مع الشعب الفلسطيني ككل كون تلك الحكومة منتخبة بالاقتراع الشعبي الحر وممثلة للناس في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد كرر مسؤولون اوروبيون من مستويات متعددة قولهم، منذ تولي حكومة"حماس"السلطة وقرار الاتحاد الاوروبي قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، ان بلدانهم لا تريد معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديموقراطي وانها، اي بلدانهم تشترط لاستئناف المعونات المالية اعتراف حركة"حماس"وحكومتها بحق اسرائيل في الوجود والاتفاقات السابقة الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل ونبذ العنف. وبغض النظر موقتاً عن موقف"حماس"من تلك الشروط وما اذا كان لموقفها مبرراته، فان آثار قطع المساعدات المالية الاوروبية والاميركية تمس مباشرة المواطنين الفلسطينيين وتنعكس عليهم بؤساً وشقاءً وجوعاً او سوء تغذية. اكثر من هذا فان اي حكومة لا تستطيع دفع رواتب موظفيها ستبدو عاجزة في نظر عدد غفير من مواطنيها وسترتفع الاصوات مطالبة برحيلها. وفي السياق الفلسطيني يعيل كل موظف حكومي سواء كان من قوات الامن او من جهاز الخدمة المدنية ما معدله ستة اشخاص، ما يوصل عدد المتضررين مباشرة من عدم دفع الرواتب الى نحو مليون نسمة، يضاف اليهم المتضررون بصورة غير مباشرة بسبب انقطاع دورة الصرف المالي. وبالامكان تصور مدى المشقة التي يعاني الفلسطينيون منها حالياً بسبب انقضاء ثلاثة اسابيع على موعد صرف الرواتب الشهرية للموظفين الذين سرعان ما يصرفون رواتبهم الضئيلة اصلاً. والواقع ان الاوروبيين والاميركيين صاروا شركاء في قطع المال عن الفلسطينيين للاسرائيليين الذين اوقفوا دفع اموال الضرائب والجمارك المستحقة للفلسطينيين وتعادل نحو 55 مليون دولار شهرياً. ان هذا الابتزاز الغربي والاسرائيلي من شأنه ان يدفع"حماس"، اذا استمر، الى الاعتماد على موارد مالية بديلة من اي مصدر متاح خصوصاً اذا لم تكن المساعدات العربية كافية او اذا تعسر ايصالها بسبب قيود او ضغوط اميركية. واذا استمرت المقاطعة الدولية ل"حماس"وحكومتها على النحو الحالي وشعرت بأن الدول الغربية المنحازة عموماً لاسرائيل ترفض الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني وتعاقب عليه عملياً، فان هذا قد يدفع هذه الحركة الملتزمة بهدنة مع اسرائيل منذ اكثر من عام الى العودة الى العمل المسلح، خصوصاً وهي ترى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي المكلف ايهود اولمرت يبدو مصمماً على فرض حدود جديدة لدولة اسرائيل على حساب الفلسطينيين وفي اراضيهم. وعودة الى موقف"حماس"من الشروط الاسرائيلية - الاميركية - الاوروبية للتعامل مع حكومتها، من الواضح ان الحركة الملتزمة بالهدنة قادرة على ان تبني على هذا الالتزام وان تعري الزعم الاسرائيلي عن عدم وجود شريك فلسطيني في المفاوضات وصولاً الى تسوية على اساس دولتين، فلسطين الى جانب اسرائيل. ان الفلسطينيين هم الرقم الصعب في المعادلة الشرق اوسطية، كما كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يقول، ولا يمكن ان يسود سلام قابل للبقاء من دون ان تكون لهم دولة مستقلة قابلة للبقاء، متواصلة جغرافياً وغير ممسوخة على الشاكلة التي يريدها الاسرائيليون. ويجدر بحكومة"حماس"وهي ما تزال الآن ملتزمة بالهدنة، بمعنى انها لا تحارب، ان تمارس العمل السياسي من اوسع ابوابه وان تفتح آفاقاً جديدة وان تستمد مبادرات جديدة من خبرات عدد كبير من الديبلوماسيين والاكاديميين الفلسطينيين بدلاً من الاستماع الى نفس الآراء نفسها من الاشخاص أنفسهم من الحركة نفسها طوال الوقت. وليست"حماس"مطالبة بالتخلي عن اي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، وهي لن تفعل. كل ما قد يحسن بحكومتها ان تفعله الآن هو ان تنسق خطواتها وتحركاتها بل تصريحاتها ايضاً مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتتفق معه على الخطوط العريضة في القضايا الجوهرية لئلا تتعمق الازدواجية بينهما فلا تعود للفلسطينيين سياسة منسقة موحدة تعطيهم صدقية في نظر المجتمع الدولي.