تعدى انتشار الحجاب في مختلف أشكاله في مصر مرحلة الظاهرة التي تخضع للدراسة لمعرفة أسبابها ودخل مرحلة"السمات الاجتماعية"التي تميّز جيلاً من المراهقات والشابات المصريات. أضحى"حجاب الشابات"أمراً واقعاً فيما"بزغت"ألفاظ وتصرفات وأزياء ورسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة خاصة به. وظهرت ألفاظ غريبة واستفزازية في آن. فكلمة"بشعر"مثلاً هي الصفة التي تطلق على من لا تغطي شعرها، أو"بتحجيبة ولا من غير؟". وعلى رغم عدم وجود أصل لغوي محدد لكلمة"تحجيبة"، فإنها باتت تعني في قاموس الشباب غطاء الرأس الذي ترتديه الفتيات. فهو ليس حجاباً بالمعنى الشرعي، ولا خماراً، ولا نقاباً. هذه"التحجيبة"تجد رواجاً هذه الأيام بين غالبية الفئات والطبقات. فهي تبدأ ببائعي"التحجيبات"الإيشاربات على أرصفة كل ركن في القاهرة حيث تلال من الإيشاربات المزركشة الزاهية الألوان ملقاة على الرصيف، والفتيات منكبات على انتقاء ما يناسب أذواقهن، بينما صوت البائع يجلجل"تحجيبة يا أختي. كله بعشرة"أي بعشرة جنيهات. وتتدرج هذه التحجيبة لتصل الى محال الطبقة المتوسطة و"بوتيكات"الطبقات الغنية حيث الأنواع الأجود والماركات المعروفة. "روشنة"التحجيبة وعلى رغم الانتشار المدوي ل"التحجيبة"التي تعتلي رؤوس الفتيات فقد ظللن حريصات على كل ما هو"روش"ولافت للأنظار، فكانت النتيجة"تي. شيرت"ضيقاً، وبنطلونات صنعت خصيصاً لتبرز كل التفاصيل، وهكذا نجحن في"روشنة"التحجيبة. وكرّست مواقع على شبكة الانترنت نفسها لتقديم النصائح التي تتناقلها الفتيات في هذا الشأن، وتكون أحياناً مصحوبة بصور توضيحية، خصوصاً أنّ بعضها معقد جداً، اذ يتداخل إيشاربان بألوان مختلفة، ويتم ربطهما معاً. فهناك ال"سبانيش"spanish العادي، وال spanish المجدول بطرحتين وهناك"اللفة الاماراتية"التي تظهر الأقراط وتخفي الرقبة، وهناك ايضاً اللفة الخليجية وغيرها. وفي العام الماضي، ظهر نوع جديد ومربح من"بيزنس الطرح". فبعدما تضرّرت محال"الكوافير"بسبب توقف الغالبية عن التردد على هذه المحال إلا في المناسبات، حوّل كثيرون الجانب الأكبر من محالهم الى"كوافير محجبات". ولا تقدم العاملات فيها الخدمات التقليدية من عمل تصفيف الشعر وطلي الأظافر، بل يقدمن أيضاً"ربطات جديدة"وتداخلات مبتكرة لألوان الايشاربات التي تغطي الشعر. كما ظهرت أرقام هواتف محمولة تقدم خدمة ربطات الايشاربات بسعر جنيه ونصف الجنيه للدقيقة. ويبدو أن الجميع يواكبون هذا الاتجاه، فحتى محال الألبسة الأنيقة أحدثت تغييرات في نوعية الأزياء التي تقدمها. فخصصت قسماً للعباءات، ومنها ما أضاف سنتيمترات عدة الى أطوال البلوزات مع الاحتفاظ بالقصات. وفي الأشهر القليلة الماضية، ظهر اتجاه جديد لدى الشابات، لا سيما بين طالبات الجامعات، وهو"الإسدال"الذي ينتشر في شكل كبير في جامعات العاصمة وشوارعها بألوانه الغامقة، وأكثرها انتشاراً الأسود. وللإسدال ثلاث فتحات، واحدة للرأس، واثنتان للذراعين. البحث عن زوجة الطريف أن الإسدال عرف طريقه إلى عالم التجارة الإلكترونية. إذ يقدم موقع"أسواق النور"على شبكة الانترنت عروضاً خاصة لشراء الإسدال ذي"الجودة الفائقة"بسعر 49.95 جنيه مصري. وللعلم فإن هذا الموقع للتسوق الالكتروني ذو صلة بالداعية"الاستاذ"عمرو خالد الذي يرجح أن محاضراته هي السبب الأكبر وراء إقبال الشابات المصريات على تغطية شعرهن في السنوات القليلة الفائتة. ولا يقف الأمر عند حدود المظهر فقط، أو الألفاظ الجديدة، بل تحوّل"الحجاب"إلى أحد مقومات أو موانع البحث عن عمل وزوجة. فالكثيرون من أصحاب الأعمال حالياً، سواء كانوا أصحاب شركات كبرى أم محال تجارية، أم عيادات أطباء يشترطون أن تذكر المتقدمات لوظيفة اذا كنّ محجبات أم لا. ويشترط البعض ذلك لأن الحجاب بالنسبة اليه ضرورة، فيما يشترط الآخرون عدم ارتداء الحجاب. حتى إعلانات وظائف المربيات، وراعيات المسنين، وعاملات النظافة باتت تذكر عبارة"لدينا محجبات ومنقبات". أما حقل إعلانات الزواج فلا يختلف كثيراً. فالشابة الباحثة عن عريس تذكر أنها"محجبة"أو"منقبة"أو"ملتزمة"أو غير ذلك من الأوصاف. ويقول أحد العاملين في تلك المكاتب إن الشابة اذا كانت محجبة فإنها عادة تذكر ذلك في إعلانها. أما الشاب الباحث عن عروس، فاذا كان يريد عروساً محجبة، فإنه يشير إلى ذلك في الإعلان الخاص به. اما إذا كان يريدها غير محجبة، فلا يذكر ذلك صراحة خوفاً من أن يتهم بما هو في غنى عنه. ومع زيادة أعداد المحجبات وإصرار الشركات الكبرى والمصارف الأجنبية على تجنب تعيينهن، وإن كانت تلك سياسة غير معلنة، هل يأتي اليوم الذي نقرأ فيه إعلاناً عن وظيفة خالية في مصرف كذا يطلب محاسبة"بشعر"؟